قال المُفَسِّر: [﴿ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ في إهلاكهم بعد إنذارهم]، وهذا صَحِيح، ويَحتمِل: ﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أي: مُهْلِكِينَ بدون إنذارٍ، والمَعْنى صَحِيح على هذا الوجهِ وعلى الوجهِ الَّذي ذكرَهُ المُفَسِّر؛ فاللهُ تَعالَى إذا أَهلكهم بعدَ إِنذارهم وقد عَصَوْا، فهو لم يَظْلِمْهُمْ، وكذلك لا يمكِن أن يُهْلِكَ مَن لا يُنْذَر؛ لأنَّ ذلك ظُلْمٌ.
فوائد الآيتين الكريمتينِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أنَّ الشرائعَ لا تُلْزَم إلَّا بعدَ العِلْم، وأنَّه ما دامَ الإِنْسان غيرَ عالمٍ بالشرعِ؛ فإِنَّه لا يُكَلَّف به، ولهذا شواهِدُ:
منها: قِصَّة المُسِيءِ في صَلاتِه؛ فإن الرَّسُول - ﷺ - لم يُلْزِمْه بقَضاءِ ما فاتَه (١)؛ لأنه ما علِمَ.
ومنها: المرأةُ الَّتي كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فلا تُصَلِّي، فما أمرها النَّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالقَضاء (٢).
ومنها: حديث عَدِيِّ بنِ حاتمٍ، حيثُ أَكَلَ بعدَ طُلوعِ الفجرِ (٣).
(٢) أخرجه أبو داود: كتاب الطهارة، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، رقم (٢٨٧)، والترمذي: أبواب الطهارة، باب في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، رقم (١٢٨)، وابن ماجه: كتاب الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها، قبل أن يستمر بها الدم، رقم (٦٢٢).
(٣) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، رقم (٤٥٠٩)، ومسلم: كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك، رقم (١٠٩٠).