ولا أن يكون لائقًا في حقِّهم.
ثانيًا: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ﴾ فهذا يَعني أنَّه غيرُ لائقٍ أنْ يَنزِلوا به.
ثم ارتقَى إلى ما هو أعظمُ فقال: ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أن ينزِلوا به؛ لأنَّهم عنِ السَّمْعِ لمَعزولُون، مَعْزُولون قَدَرًا وشَرْعًا.
قَوْلهُ: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ فيه دليلٌ على أنَّ القُرآنَ تَفِرُّ منه الشياطينُ، وأنه لا يمكِن أن تقْرَبَه، وقد أخبرَ النَّبيّ - ﷺ - في بعض الآيَاتِ أنَّها تَطْرُدُ الشياطينَ؛ كما في البَقَرَة (١) وفي آية الكُرْسِيّ (٢) وما أشبهَ ذلك.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ﴾ لِكَلامِ الملائكةِ ﴿لَمَعْزُولُونَ﴾ بالشُّهُب]، على قولِ المُفَسِّر يكونُ المُرادُ هنا بالسَّمْع سَماع الملائكةِ بالوحيِ.
وهم مَعْزُولون عنه، لا يُمْكِن أن يَقْرَبوا منه، قال المُفَسِّر: [بالشهب]، يَعْنِي هذه الشهب الَّتي تَرْمِيهم تَطْرُدُهم عنِ استراقِ السمعِ، فلا يَسْتَطِيعون أنْ يَسْتَرِقُوا السَّمْعَ، ولا أن يأتوا به، رُبّما يُدْرِك الكلِمة أحيانًا قبلَ أنْ يُدْرِكَه الشِّهاب فتنةً منَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فيأخذ الكلمة ويُضيف إليها عشراتِ أو مئاتِ الكَلِماتِ من عنده، فإذا وافقَ واحدٌ بالمائةِ صَدَّقه النَّاسُ في التسع والتسعينَ.
وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ الإِنْسانَ كلَّما انقادَ للشيطانِ ابتعدَ عن فَهْم القُرآنِ، ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾؛ لأنَّهم شَيَاطِينُ، فمَن كَان شيطانًا - والشيطانُ مِن بني آدمَ هو الَّذي يَتَلَقَّى ما تأمرُه الشياطينُ به - فإِنَّه يُعْزَل أيضًا عن فَهْم القُرآن.

(١) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، رقم (٧٨٠).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة، رقم (٥٠١٠).


الصفحة التالية
Icon