قَالَ المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿أَفَّاكٍ﴾ كذَّاب ﴿أَثِيمٍ﴾] و ﴿أَفَّاكٍ﴾ هذه للنسبةِ والمُبالغةِ أيضًا، أي: كثير الإِفك، والإفكُ بمَعْنى الكذِب، والأثيمُ بمَعْنى الآثِمِ، أي: الجامع بينَ سُوءِ القولِ وسُوء العملِ.
وقول المُفَسِّر: [مثل مُسَيْلِمَة وغيرِه منَ الكَهَنَة]، هذا تمثيلٌ، أي مثل كذا.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿يُلْقُونَ﴾ الشياطينُ، ﴿السَّمْعَ﴾ ما سمِعوه منَ الملائكةِ إلى الكهنةِ، ﴿وَأَكْثَرُهُم كَاذِبوُنَ﴾]، الضَّمير في ﴿يُلْقُونَ﴾ يعودُ على الشياطين، و ﴿السَّمْعَ﴾ أي: المَسْمُوع، وهو مصدرٌ بمَعْنى اسمِ المفعولِ. يُلْقُونه على الكهنةِ، فيأخذون منَ السمعِ ما أخذوه، ولكنهم يَزيدون إلى هذا كذباتٍ كَثِيرَةً، ولهذا قال: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبوُنَ﴾ قال المُفَسِّر: [يَضمُّون إلى المسموعِ كَذبًا كثيرًا، وكَان هذا قبلَ أنْ حُجِبَتِ الشياطينُ منَ السماءِ].
وكَانت الشياطينُ قبلَ بَعثةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَستمِع إلى شيءٍ منَ السماءِ، ولكنها حينَ البعثةِ صاروا لا يَستمِعون؛ لِقَوْلهِ: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩]، لا يَستَطِيعون، فلو قَعَدوا مقاعدَهم كما كانوا يَقعدُون أوَّلًا لِيَسْتَمِعوا أَتَتْهُمُ الشُّهُبُ.
وهل هذا انقطعَ بانقطاعِ الوحيِ؛ لأن الحكمَ يدورُ معَ عِلَّتِه، أم بَقِيَ؟
الظَّاهرُ - والله أعلمُ - انقطعَ بانقطاعِ الوحيِ؛ لأنه في ذلك الوقتِ مُنِعَتِ السماءُ مِنَ الشياطين، أما بعدَ ذلك فإِنَّها لا تمُنَع، ولكن قد تُمنَع أحيانًا بما نرى من الكثيرِ منَ الشهبِ.
* * *