الكتابِ والسنّة فإِنَّه يَتَّبِعُهُ الراشدُ، مثل بعض القصائدِ الَّتي نَظَمَها أهلُ العِلْم والإيمانِ، فهذا لا يُعْتَبَر شِعرًا يَتَّبِعُهُ الغاوونَ.
قال: [﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تعلم، ﴿أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ﴾ من أوديةِ الكَلامِ والفنونِ، ﴿يَهِيمُونَ﴾ يمضون فيجاوِزون الحدّ مدحًا وهجاءً]، هذا صَحِيحٌ، فحالُ الشعراءِ: شاعرٌ يقولُ ما لا يَستَطِيعُ أنْ يَمْلِكَ نفسَه فيه؛ لأنه يبالغُ في المدحِ، ويبالغُ في الذمِّ؛ لأنه - بإذنِ اللهِ - كَأَنَّه يَتَكَلَّم من غير شعورٍ، وإنْ كَان يُوصَف الشِّعرُ بأنه يأخذُ في الشُّعور، لكن الشَّاعِر يتكلَّم من غيرِ شُعورٍ.
والمُرادُ بالشعراءِ غيرُ الَّذينَ آمَنُوا وعمِلوا الصَّالحِات، ولهذا استثنى فيما بعدُ
فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
وقول المُفَسِّر: [﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ﴾ فعلنا ﴿مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ يَكْذِبون]، فيه نظرٌ، لكن: ﴿يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ فيما إذا امْتَدَحُوا أو هَجَوْا، فيقولون: نحنُ نفعلُ كَذا وكَذا إذا كَانوا يريدونَ أنْ يَتَقَرَّبُوا إلى الشخصِ، ونحن نَخْدُمُكَ، ونحنُ نُواسيكَ بأنْفُسِنا، ونَفديك بأهلنا، وما أشبهَ ذلك. لكنهم لا يَفعلون هذا؛ لأنَّهم غُواةٌ، وغيرُ راشدينَ.
كذلك أيضًا: ﴿يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾، فيقولون في هِجَاءِ عَدُوِّهِم: نحن لا نَخشاهُ، ونحن سَنُيَتِّمُ أولادَهُ، ونحن سَنُرَمِّلُ نِساءَه، وما أشبهَ ذلك، وهم لا يَفعلون ذلك.
فيُمْكِن أنْ يَصِيرَ الشَّاعِرُ الَّذي يُغَيِّر الأُمَّة بِشِعْرِهِ في الخلفِ، فلا يكون في المقدِّمَةِ عندَ التقاءِ الصَّفيْنِ.
* * *


الصفحة التالية
Icon