وقوله: ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ أي: صِنف، والكريمُ فِي الأَصْلِ: كثيرُ البَذْل، ولكنَّه يُطلَق أحيانًا عَلَى الحسنِ، ومنه قوله - ﷺ - لِمُعَاذٍ: "إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ" (١) أي: حَسَنَها، وليسَ مَعْنى كرائمها الَّتِي تُعْطي كثيرًا؛ لأنها لا تعطي البهائم، ولكن المُراد بِهَا الحسنة. فهنا الكريم نقول: الحَسَن، والزوج بمَعْنى: الصنف والنوع.
وهذه الأصنافُ والأنواعُ الحسنةُ البهيجةُ تدلُّ عَلَى قُدْرَةِ خالقها تَبَارَكَ وَتَعَالَى وعلى فَضْلِهِ وإحسانه، وعلى حِكْمَته، فانظرْ إِلَى الأرضِ وفيها هَذَا النباتُ تجده مختلفًا فِي حَجْمِه، ومختلفًا فِي لونه، ومختلفًا فِي نفعِه، ومختلفًا من جميعِ الوُجُوهِ، والأرضُ واحدةٌ والماءُ واحدٌ، بل أحيانًا تجد النوعَ الواحدَ من هَذَا النباتِ يَختلِفُ، كما إذا نظرنا إِلَى البُرِّ، فالبُرُّ نوعٌ واحدٌ بالنِّسبة للحُبُوبِ، ومعَ ذلكَ يَختلِف، وإذا نظرنا أيضًا إِلَى النخلِ وَجدناه يَختلفُ، وإذا نظرنا إِلَى البِطِّيخِ وغيرِه نجدُه مختلِفًا، ممَّا يدلُّ عَلَى كمالِ قُدرةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كما قال الله تعالى: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: ٤]، فالماء واحدٌ، والأرضُ واحدةٌ، فتأخذ من هَذَا شيئًا تَذُوقه وإذا هُوَ مُرّ، وتأخذُ من هَذَا تَذُوقه وإذا هُوَ حُلوٌ، معَ أن الأرضَ واحدةٌ والماءَ واحدٌ، ولكن هَذِهِ هِيَ قُدرة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّتِي يَسْتَدِلُّ بِهَا الموفَّقون عَلَى كمال قدرته.
* * *

(١) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد فِي الفقراء حيث كانوا، رقم (١٤٩٦)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إِلَى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (١٩).


الصفحة التالية
Icon