مجرَى الجماعةِ]. قَالَ: إنّ الضَّمير لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بلفظ الغلبةِ، مع أَنَّهُ فِي سُورَة طه قَالَ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]، لكن هنا ذكر ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾، وكانت المُبالَغة حصلتْ بانضمامِ الأمرينِ: السمع والرُّؤية، وهنا ما ذكر إلا الإستماع فقطْ، ولهذا جاء فِي صورةِ العَظَمَةِ بالنِّسبةِ للمبتدأِ، فقال: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ ولم يقلْ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا﴾ كما قال فِي سُورَة طه، يقول المُفسِّر: [أجري مجرى الجماعة].
فالجَواب عن هَذَا ما قال المُفسِّر: [أجري الإثنان مجرى الجماعة]، وإذا قلنا: إن أقلَّ الجمعِ اثنانِ نقول: هَذَا وإن كَانَ بلفظِ الجمعِ لكنَّه دالٌّ عَلَى الإثنينِ باعتبارِ الوضعِ اللُّغويّ، فلا حاجةَ إِلَى التعيينِ.
وقيل: الجمعُ باعتبارِ ما مع مُوسَى وهارونَ من الآيَاتِ؛ كأنَّهم ثلاثٌ، وإن كانت الآيَات ليست آدميّة، ولكنها مؤيِّدة؛ لِأَنَّ التأييدَ يكون بالأدلَّة وبقوَّة الداعي والمستدلّ.
ويحتمل أيضًا أَنَّهُ جمع باعتبار أن مُوسَى وهارونَ سيكون لهما قومٌ وسيكونُ اجتماع مُوسَى وهارون بِقَوْمِهما.
فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: إِثْبات المَعِيَّة للهِ عَزَّ وَجَلَّ، والمعيَّة فِي الحَقِيقَة معناها: المصاحَبَةُ المُطْلَقَة، ولكنها فِي كلِّ شيْءٍ بِحَسَبِهِ، فنقول مثلًا: سَقَاني لبنًا معَه ماءٌ، فهذه تَقتضي الإمتزاج والإختلاطَ.
فتفسيرُ مَعِيَّة الله عَزَّ وَجَلَّ بالإحاطةِ عِلمًا وقدرةً وسلطانًا وبصرًا وسمعًا، وغير ذلك من معاني الربوبيَّة، لَيْسَ تفسيرها بذلك من بابِ التأويلِ، بل من بابِ ذِكر الحَقِيقَةِ؛ لأنها حَسَب ما تُضاف إليه.