صفةٌ فِي المَعْنى، والصِّفَة للمَعْنى - الذي هُوَ النَّعْت - لا يمكن أن تَتَقَدَّم عَلَى المنعوتِ، لهذا قالوا: إنّ الصِّفَةَ - صفة النكرة - إذا قُدّمت عليها أُعْرِبَتْ حالًا منها، هَذِهِ قاعدةٌ عندَ النحْوِيِّينَ.
قال: ﴿مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ هَذِهِ السنونَ ثلاثونَ سنةً، حَسَبَ ما قال المُفسِّر وأكثرُ المُفَسِّرِينَ، ولكن الأَولى أنْ تُبهَم كما أبهمَ اللهُ، لكن هم قَدّروا هَذِهِ الثلاثينَ لِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نُبِّئَ عَلَى رأسِ الأربعينَ عَلَى ما هِيَ عادةُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي إرسالِ الرُّسُلِ، فقالوا: إن الثلاثينَ كانتْ عند فِرْعَوْن، ثم إنَّه ذهبَ إِلَى مَدْيَنَ وبَقِيَ فيهم عشْرَ سنواتٍ، ثم أرسلهُ الله.
فمِن هنا صارتِ السنونَ ثلاثينَ، ولكن هَذَا لَيْسَ بلازمٍ؛ لِأَنَّهُ قد يكون تَرَبَّى عند فِرْعَوْن أقلَّ مِن هذا، ثم انضمَّ إِلَى بني إِسْرَائِيل، فلهذا لا يَنبغي أنْ نَجْزِمَ بأنها ثلاثونَ سنةً، فلنقلْ كما قال الله: ﴿سِنِينَ﴾ وهي جمعٌ، وأقلُّ الجمعِ ثلاثُ سنواتٍ، ولكن يبدو أَنَّهَا أكثر؛ لِأَنَّ الثلاثَ سنواتٍ قد لا تكون بِهَا تلك المِنّة الَّتِي يَمُنّ بِهَا فِرْعَوْن.
يقول المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [يَلْبَسُ من ملابس فِرْعَوْن، ويَرْكَب من مَرَاكِبِهِ، وكان يُسَمَّى ابنه]، ولذلك قالتِ امرأة فِرْعَوْن: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: ٩].
فهذا دَليل عَلَى أَنَّهُم اتَّخذوه ولدًا، يعني: عسى أن يَنْفَعَنا مُطْلَقًا وإنْ لم يَتْبَنَّهْ أو نَتَّخِذه ولدًا، ومن المعلومِ أن الولدَ سوف يَنْفَع، ولكن الله يقول: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] لم يكنِ الأمرُ كما تَوَقَّعُوه، بل كَانَ بالعكسِ.
* * *