(إلَّا) ففي مثلِ قولِ اللهِ تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق: ٤]، يعني: ما كلّ نفس إلَّا عليها حافظ.
وهنا ﴿لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ اسْم بمَعْنى: (حين)، فهي ظرفٌ يعني: حين خِفْتُكُمْ.
وهذا ممَّا يؤيِّد ما سبقَ أنْ أشرنا إليه بأن الكَلِمات تعتبر حقيقةً بِحَسَبِ السياقِ، وأنَّ هَذَا هُوَ مأخَذُ شيخِ الإسلامِ ابن تيميَّة رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغة العربيَّة ما يُسَمَّى بالمَجازِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ أمرًا ذاتيًّا للكلمةِ، بل الكلمة لها مَعْنى بحسَب قِياسها وقرائن أحوالهِا.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا﴾ عِلمًا ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾].
﴿فَوَهَبَ لِي﴾: أعطاني، قَالَ: [﴿حُكْمًا﴾ عِلمًا]، ولكن تفسير الحُكْم بالعلمِ قد يقول قائلٌ: إنَّ فيه نظرًا؛ لِأَنَّ الله تعالى يَعْطِف بَعْضَهما عَلَى بعضٍ؛ كما فِي قوله تعالى: ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٢٢]، والعطفُ يَقْتَضِي المُغَايَرَة، وإذا كَانَ كذلك، فَإِنَّهُ لا يمكن أن يفسَّر أحدهما بالآخرِ.
ولننظرْ: هل هَذَا الإعتراضُ صحيحٌ، أم يُقال: إنهما من الألفاظِ الَّتِي إذا اجتمعتِ افترقتْ، وإذا افترقتِ اجتمعتْ، فإذا اجتمعتا تَغَايَرَتَا، وإذا انفردتْ إحداهما صارَ مَعْنى كلِّ واحدةٍ مَعْنى الأخرى.
قال تعالى: ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ الحُكم: القضاءُ بالشَّيْءِ، ويُسمَّى حُكمًا، ولا حكم إلا بعلمٍ، فتفسير الحكمِ بلازِمِهِ، وإذا جمع معَ العلمِ صار العلمُ ضدَّ الجهلِ، والحكم تطبيق ذلك العلمِ، فالذي يَظْهَر أن المُرادَ بالحكمِ هنا أخفّ منَ العلمِ، يعني: الحكم: القضاء، أو ما بِهِ يَقضي الْإِنْسَان بينَ النَّاسِ،


الصفحة التالية
Icon