عبّدت بني إِسْرَائِيل وهم قومي، فإذا قُدّر أنِّي سلِمتُ منَ التَّعبيد والظُّلم، فأنا فَرْدٌ من قبيلةِ وقومي قد عبَّدتَهم، فأين النعمة؟ !
وقوله: [قدَّر بعضهم أوَّل الكَلام همزةً]، لَيْسَ ببعيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أوَتلك نعمةٌ تَمُنّها عليَّ أنْ عَبَّدْتَ بني إِسْرَائِيل. يعني: فليس لك عليّ نعمة.
و(أنْ) تبين المبهَم فِي قوله: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ فكأنه يقول: تَمُنّ عليّ بهذه النعمةِ حينَ عبَّدتَ بني إِسْرَائِيل، يعني: ولم تَسْتَعْبِدْهُمْ، هَذَا هُوَ المَعْنى.
ولولا أنَّ هَذَا المَعْنى ظاهرٌ لَقُلنا: إن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَرف نعمتَه عليه كالمتهكِّم به، يعني: يقول: أين النعمة الَّتِي أنعمتَ بِهَا عليّ وأنتَ تُعَبِّد بني إِسْرَائِيل؛ لِأَنَّ تعبيدَ بني إِسْرَائِيل خلافُ النعمةِ فِي الواقعِ، ومنَ المعلومِ أن مُوسَى مِن بني إِسْرَائِيل، فتعبيدُ بني إِسْرَائِيل - وهم قومُه - إذلالٌ له، وهذا مَعْنى جيِّد فِي الحَقِيقَةِ، نقول: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ يعني: كيف تمنّ عليّ بهذه النعمةِ وأنت تعبِّد بني إِسْرَائِيل، ويكون هَذَا من بابِ ما يُسَمُّونه بـ (تأكيد الذمّ بما يُشْبِه المَدْحَ)، وحينئذٍ تكون ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ تفسيرًا لـ (تِلْكَ)، يعني: أهذه النعمة الَّتِي تَمُنُّها عليّ أنْ تُعَبِّد بني إِسْرَائِيل، فأين النعمة؟ ! فهذا مَعْنى جيِّد.
* * *


الصفحة التالية
Icon