فإن قلت: أما الموافقات المعنوية فلا إشكال فيها، وأما الموافقات اللفظية فهي مشكلة على ما تقرر أن القرآن العزيز معجز تحدى النبي ﷺ فيه فلم يقدر أفصح اللحناء وأبلغ البلغاء أن يأتي بآية مثله، فكيف نطق بآية هي عين القرآن؟
قلت: الجواب عن ذلك أن النبي ﷺ قد كشف هذا الإشكال بقوله: " إنه كان في الأمم السالفة محدثون، وإن يكن في أمتي أحد فمعمر ".
فموافقة عمر رضي الله عنه للقرآن ليس من ملكيته ولا من قريحته، وإنما هي إلقاء إلهي، وتحدث رباني يجده العبد في بعض الأوقات من غير تفعل ولا روية، فينطق به على وفق ما وقع له، وهذا نوع من الوحي، وهو الوحي الإلهامي
الذي قال فيه تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى) [الأعراف: ١١٧]. وهو التحديث الذي أشار إليه عليه السلام، وليس هذا مخصوص بالأنبياء عليهم السلام، بل هو لهم ولغيرهم من المؤمنين.
فبما تقرر ظهر أن ما نطق به عمر أو غيره موافقاً للفظ القرآن فليس منه، إنما هو إلقاء إلهي أراد الله به إظهار كرامته إلى من ألقاه إليه، حتى إذا نزل القرآن الذي هو أيضاً إلقاء إلهي إلا أنه بكيفية أخرى وهي إلقاء إلى الرسول بواسطة الملك، المأمون فيها التلبس، بخلاف غير النبي ﷺ فإنه ليس بمأمون فيها التلبس، فإن الخواطر الواردة على الإنسان كما حققه أهل


الصفحة التالية
Icon