كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد، ولا تناقض، ولا تخالف، بل كل يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد، وأسلوب واحد، وما ذلك إلا آية بالغة، وبرهان صادق على صدق ما جاء به صلى الله عليه وسلم.
ومنها: سهولة حفظه، وتيسير نقله على هذه الأمة، إذ هو على هذه الصفة من البلاغة والوجازة، فإنه من يحفظ كلمة ذات أوجه، أسهل عليه، وأقرب إلى فهمه، وأدعى لقبوله من حفظه جملا من الكلام يؤدي معاني تلك القراءات المختلفات، لا سيما فيما كان خطه واحدا، فإن ذلك أسهل حفظا، وأيسر لفظا.
ومنها: إعظام امور هذه الأمة، من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع معاني ذلك، واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ، واستخراج كمين أسراره وخفي إشارته، وإمعانهم النظر، وإمعانهم الكشف عن التوجيه، والتعليل، والترجيح، والتفصيل بقدر ما يبلغ غاية علمهم، ويصل إليه نهاية فهمهم: ﴿فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى﴾ [آل عمران: ١٩٥]، والأجر على قدر المشقة.
ومنها: بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم، من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي، وإقبالهم عليه هذا الإقبال، والبحث عن لفظه، والكشف عن صنعه، وبيان صوابه، وتحرير تصحيحه، وإتقان تجويده،