وعلى هذا يصير جملة القرآن متشابهًا، لأن قوله تعالى: ﴿خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ [المؤمنون: ١٤]
أمر يحتاج إلى معرفة صحته إلى الدلائل العقلية، وإن أهل الطبيعة يقولون: السبب في ذلك الطبائع والفصول، وتأثيرات الكواكب، وتركيبات العناصر وامتزاجها. وكما أن إثبات الحشر والنشر يفتقر إلى الدليل، فكذلك إسناد هذه الحوادث إلى الله يفتقر إلى الدليل.
ولعل الأصم يقول: هذه الأشياء وإن كانت كلها مفتقرة إلى الدليل إلا أنها تنقسم إلى ما يكون الدليل فيه ظاهرًا، بحيث تكون مقدماته قليلة ومرتبة، ومنسقة، يؤمن الغلط فيها إلا نادرًا، ومنه ما يكون الدليل فيه خفيًا كثير المقدمات، غير مرتبها. فالقسم الأول هو (المحكم) والثاني هو (المتشابه).
والقول الرابع: أن كل ما أمكن تحصيل العلم به سواء أكان ذلك بدليل جلي أو بدليل خفي فذاك هو: (المحكم).
وكل ما لا سبيل إلى معرفته فذاك هو (المتشابه). وذلك كالعلم بوقت قيام القيامة، والعلم بمقادير الثواب والعقاب في حق كل المكلفين. ونظيره قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ [النازعات: ٤٢]