افتقر الناظر فيه إلى الاستعانة بدليل العقل، وحينئذٍ يتلخص عن ظلمة التقليد ويصل إلى ضياء الاستدلال والبينة.
أما لو كان كله محكمًا، لم يفتقر إلى التمسك بالدلائل العقلية، فحينئذٍ كان يبقى في الجهل والتقليد.
الوجه الرابع: أن القرآن لما كان مشتملًا على المحكم والمتشابه، افتقر الناظر فيه إلى تعلم طرق التأويلات، وترجيح بعضها على بعض، وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة، والنحو، وعلم أصول الفقه. ولو لم يكن الأمر كذلك، ما كان يحتاج الإنسان إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة.
فكان في إيراد المتشابهات هذه الفوائد الكثيرة.
الوجه الخامس: السبب الأقوى في هذا الباب: أن القرآن كتاب مشتمل على دعوة الخاص والعام بالكلية، وطبائع العلوم تنبو في أكثر الأمر عن إدراك الحقائق، فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم، ولا بمتحيز، ولا بمشار إليه، ظن أن هذا عدم، فنفى، فوقع في التعطيل. فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما توهموه وتخيَّلوه، يكون ذلك مخلوطًا بما يدل على الحق الصريح.
فالقسم الأول: -وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر- يكون من