ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يا أرض أبلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين﴾ [هود: ٤٤]، أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقص من الأنباء ما لو شرح من اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ/ والبلاغة والإيجاز والبيان، لجفت الأقلام. وقد أفردت هذه الآية بالتأليف وذكر ما فيها من عجائب البلاغة والإيجاز والفصاحة.
وقال الكرماني في كتاب «العجائب» أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها، وحسن نظامها، وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيها النمل ادخلوا مسكانكم... ﴾ الآية [النمل: ١٨] جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنساً: نادت وكنت، ونبهت وسمت، وأمرت، وقصت، وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وعذرت.
فالنداء «يا» والكتابة «أي» والتنبيه «ها»، والتسمية «النمل»، والأمر «ادخلوا»، والقصص «مساكنكم»، والتحذير «لا يحطمنكم»، والتخصيص «سليمان»، والتعميم «جنوده»، والإشارة «وهم»، والعذر «لا يشعرون».
وأدت خمس حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق جنود سليمان.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فاصدع بما تؤمر... ﴾ الآية [الحجر: ٩٤]، وقد روي أن أعرابياً لما سمع هذه الآية سجد، وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام.


الصفحة التالية
Icon