إيقاع الفاعل للفعل، فيقتصر عليهما، ولا يذكر المفعول ولا ينوي، إذ المنوي كالثابت، ولا يسمى محذوفاً؛ لأن الفعل منزل بهذا القصد منزلة ما لا مفعول له.
ومنه: ﴿ربي الذي يحي ويميت﴾ [البقرة: ٢٥٨]، ﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ [الزمر: ٩]، ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾ [الأعراف: ٣١]، ﴿وإذا رأيت ثم... ﴾ [الإنسان: ٢٠]، إذ المعنى: ربي يفعل الإحياء والإماتة، وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم؟ وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف، وإذا حصلت منك رؤية هنالك. انتهى.
أقول: هذا التقدير الذي قدره ابن هشام بيان لمعنى أن الفعل جعل في معنى القاصر، وأما أن قدرناه على أصله قبل أن يتناسى فيه المفعول، فيكون تقدير ﴿ربي الذي يحي﴾ الأموات، «ويميت الأحياء». وفي قوله تعالى: ﴿هل يستوي الذين يعلمون﴾ العلم، ﴿والذين لا يعلمون﴾ العلم. وفي قوله تعالى: ﴿وكلوا﴾ الطعام، ﴿واشربوا﴾ الشراب. وفي قوله تعالى: ﴿وإذا رأيت﴾ النعيم، ﴿ثم رأيت﴾ نعيماً.
فائدة:
ينبغي أن يقدر المحذوف في محله الذي يليق به، فإنه كان الأليق تقديمه قدم، وإن كان الأليق بالمعنى التأخير أخر.
ولهذا قال الزمخشري في متعلق الجار والمجرور في «بسم الله»: متأخراً عنها، لأن قريشاً كانت تقول: بسم اللات والعزى نفعل كذا، فيؤخرون أفعالهم عن ذكر ما اتخذوه معبوداً تفخيماً لشأنه بالتقديم، فوجب على الموحد أن يعتقد ذلك في اسم الله تعالى، فإنه الحقيق بذلك. ثم اعترض بـ ﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق: ١] وأجاب بأنها أول سورة نزلت فكان الاهتمام تقدير الأمر بالقراءة فيها أهم. انتهى.


الصفحة التالية
Icon