توجيهه عكس ذلك؛ وهو أن الخطاب أوله خاص وآخره عام، فأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال: في قوله تعالى: ﴿حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم﴾ [يونس: ٢٢]، قال: ذكر الحديث عنهم، ثم حدث عن غيرهم، ولم يقل: «وجرين بكم»؛ لأنه قصد أن يجمعهم وغيرهم، وجرين بهؤلاء وغيرهم من الخلق./ هذه عبارته: فلله در السلف ما كان أوقفهم على المعاني اللطيفة التي بذل المتأخرون فيها زمانًا طويلًا، ويفنون فيها أعمارهم، ثم غايتهم أن يحوموا حول الحمى.
ومما ذكر في توجيهه أيضًا: أنهم وقت الركوب حضروا لأنهم خافوا الهلاك وغلبة الرياح، فخاطبهم خطاب الحاضرين، ثم لما جرت الرياح بما تشتهي السفن، وأمنوا الهلاك، ولم يبق حضورهم كما كان، على عادة الإنسان أنه إذا أمن غاب قلبه عن ربه، فلما غابوا ذكرهم الله بصيغة الغيبة، وهذه إشارة صوفية.
ومن أمثلته أيضًا قوله تعالى: ﴿وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون﴾ [الروم]، وقوله تعالى: ﴿وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون﴾ [الحجرات: ٧]، وقوله تعالى: ﴿ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون * يطاف عليهم﴾ [الزخرف: ٧٠، ٧١]، والأصل: «عليكم»، ثم قال: ﴿وأنتم فيها خالدون﴾ [الزخرف: ٧١] فكرر الالتفات.
ومثاله من الغيبة إلى المتكلم قوله تعالى: ﴿والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابًا فسقناه﴾ [فاطر: ٩]، وقوله تعالى: {وأوحى في سماءٍ أمرها وزينا السماء


الصفحة التالية
Icon