أخرت الصلة في الشهادة الأولى، وقدمت في الثانية؛ لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم؛ وفي الثاني إثبات اختصاصهم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالف في ذلك ابن الحاجب؛ فقال في «شرح المفصل»: الاختصاص الذي يتوهمه كثير من الناس من تقديم المعمول وهم، واستدل على ذلك بقوله/ تعالى: ﴿فاعبد الله مخلصاً له الدين﴾ [الزمر: ٢] ثم قال: ﴿بل الله فاعبد﴾ [الزمر: ٦٦]. ورد هذا الاستدلال بأن «مخلصاً له الدين» أغنى عن إرادة الحصر في الآية الأولى، / ولو لم يكن، فما المانع من ذكر المحصور في محل بغير صيغة الحصر، كما قال تعالى: ﴿واعبدوا ربكم﴾ [الحج: ٧٧]، وقال: ﴿أمر ألا تعبدوا إلا إياه﴾ [يوسف: ٤٠]؛ بل قوله: ﴿بل الله فاعبد﴾ [الزمر: ٦٦] من أقوى أدلة الاختصاص؛ فإن قبلها ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ [الزمر: ٦٥]. فلو لم يكن للاختصاص وكان معناها «اعبد الله» لما حصل الإضراب الذي هو معنى «بل».
واعترض أبو حيان على مدعي الاختصاص بنحو قوله تعالى: ﴿أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ [الزمر: ٦٤].
وأجيب: بأنه لما كان من أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله، كان أمرهم بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة.
ورد صاحب الفلك الدائر الاختصاص بقوله تعالى: {كلا هدينا ونوحاً


الصفحة التالية
Icon