﴿الزاني لا ينكح إلا زانيةً أو مشركة﴾ [النور: ٣]، أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية، وهو ساكت عن نكاحه الزانية، فقال سبحانه وتعالى بعده: ﴿والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك﴾ [النور: ٣] بياناً لما سكت عنه في الأولى. فلو قال: ﴿وبالأخرة هم يوقنون﴾ [البقرة: ٤]، أفاد بمنطوقة إيقانهم بها، ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها.
وليس ذلك مقصوداً بالذات، المقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالدحوض، فهو حصر مجازي، وهو دون قولنا: يوقنون بالآخرة لا بغيرها، فاضبط هذا وإياك أن تجعل تقديره: لا يوقنون إلا بالآخرة.
إذا عرفت هذا فتقديم «هم» أفاد أن غيرهم ليس كذلك؛ فلو جعلنا التقدير: لا يوقنون إلا بالآخرة، كان المقصود المهم النفي، فيتسلط المفهوم عليه، فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها؛ كما زعم المعترض، ويطرح إفهام أنه لا يوقن بالآخرة. ولا شك أن هذا ليس بمراد، بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقهن بالآخرة؛ فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة، ليتسلط المفهوم عليه، وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر، لأن الحصر لم يدع عليه بجملة واحدة، مثل «ما» و «إلا» ومثل «إنما»، وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق، وليس أحدهما متقيداً بالآخر؛ حتى نقول: إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور، بل أفاد [نفي] الإيقان مطلقاً عن غيرهم؛ وعلى هذا كله على تقدير تسليم الحصر، ونحن نمنع ذلك، ونقول: إنه اختصاص، وإن بينهما فرقاً. انتهى كلام السبكي.


الصفحة التالية
Icon