إن كان من تلقاء نفسي، فافعلوا في قصة (يوسف) ما فعلت في سائر القصص.
قلت: وظهر لي جواب رابع، وهو أن سورة (يوسف) نزلت (بسبب) طلب الصحابة أن يقص عليهم، كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من استيعاب القصة وترويح النفس بها والإحاطة بطرفيها.
وجواب خامس: وهو أقوى ما يجاب به، أن قصص الأنبياء إنما كررت؛ لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم، والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب، كما حصل على المكذبين، ولهذا قال تعالى في آيات: ﴿فقد مضت سنت الأولين﴾ [الأنفال: ٣٨]، ﴿ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ﴾ [الأنعام: ٦] وقصة (يوسف) لم يقصد منها ذلك.
وبهذا أيضًا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب (الكهف) وقصة ذي القرنين وقصة (موسى) مع الخضر وقصة الذبيح.
فإن قلت: قد تكررت [قصة] ولادة يحيى وعيسى مرتين، وليست من قبيل ما ذكرت.
قلت: الأولى من سورة (كهيعص) [مريم] وهي مكية أنزلت خطابًا لأهل مكة، والثانية في سورة (آل عمران) [٤٥ - ٤٧]، وهي مدنية أنزلت خطابًا لليهود [و] لنصارى نجران حين قدموا، ولهذا اتصل بها ذكر المحاجة والمباهلة. انتهى.