كلما تلى استخرجت منه الدقائق الرسيسة، يغوص المتفكر فيه فتستخرج درر الحكم ويلج المتأمل فيه إلى بحار القدم ويدخل الناظر فيه إلى مدائن المعاني، ويعبر المتفكر فيه إلى قصور المباني فياض بالحقائق، زخار بالرقائق، متلاطم بأمواج اللاهوت، متراكم بهوامع الجبروت، نفاح بعطر الحضرات العلية، نتاح بأقفال المقامات البهية، مهيم لأرباب الذوق، مغلق لأرباب الوق لا يكل السمع منه، ولا يمل ولا يحزن، ولا يقلق، ولا يعطش، ولا يدهش، وكلما تلى اتسع الفكر، وانبسط السر، وانكشف العطاء، وارتفعت الروح إلى عالم الصفا، واتصلت بعالم الاجتباء، وشربت من كؤوس التجلي الذاتي، وارتدت من بحار الكلام الصفاتي، وسكرت بالرحيق السبوحي وطربت بالهدام القدوسي.
واعلم -أيدنا الله وإياك- أن كل متكلم له رونق وصفة وكيفية في كلامه، وذلك لقوة فكرته، ومن إدراكه وتعقله لما يقوله، وإعرابه عما في ضميره، فإن كان بليغًا أورد ما في ضميره بنوع من البلاغة عاليةً أو نازلاً، وإن كان فصيحًا فكذلك، وإن كان ركيكًا أو ضعيف الفكرة والمدركة خرج على مقدار ركاكته.
والقرآن كلام الله جل شأنه نزل لفظه ومعناه على محمد صلى الله عليه وسلم،


الصفحة التالية
Icon