خامسها: في قوله تعالى: ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى... ﴾ [النحل: ٣٨، ٣٩] الآيتين وتقريرهما أن اختلاف المختلفين في الحق لا يوجب انقلاب الحق في نفسه؛ وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه، والحق في نفسه واحد، فلما ثبت أن هنا حقيقة موجودة لا محالة، وكان لا سبيل لنا في حياتنا إلى الوقوف عليها وقوفًا يوجب الائتلاف، ويرفع عنا الاختلاف، إذ كان الاختلاف مركوزًا في فطرنا وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الجبلة، ونقلها إلى جبلة غيرها، صح ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه الحياة، فيها يرتفع الخلاف والعناد، وهذه هي الحالة التي وعد الله [جل شأنه] بالمصير إليها، فقال: ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل﴾ [الأعراف: ٤٣]، [حقد] فقد صار الخلاف الموجود كما ترى أوضح دليل على كون البعث الذي ينكره المنكرون. كذا قرره ابن السيد.
ومن ذلك الاستدلال على أن صانع العالم واحد، بدلالة التمانع المشار إليها في قوله [جل شأنه]: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]؛ لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتسق على إحكام، ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما؛ وذلك لأنه لو أراد أحدهما إحياء جسم وأراد الآخر إماتته؛ فإما أن تنفذ إرادتهما فتتناقض