آخرون: إنه ليس به جنون، وبين رأيه فظهر ذلك ليخلص، فاشتد الكرب بتمليخا، فقال لهم: إني أسألكم عن أمر فأجيبوني عنه: ماذا فعل الملك راقيوس؟ فقالوا له: قد مضى من ملك راقيوس مدة عظيمة طويلة. فقال لهم: أنا أخبركم عن شأني وحال ورفقة لي أكرهنا الملك على الكفر بعد الإيمان، فهربنا منه خوفًا من الفتنة والتجأنا إلى مغارة، وبالأمس كنت أنا في هذه البلدة وأتيت اليوم ووقع لي ما ترون.
وكان الأمير موفقًا ذا رأي وعقل، فقال لجلسائه: أمهلوا على الرجل ولعلها أن تكون آية أظهره الله عز وجل وأجاب دعوة ملكنا الصالح، فهلموا نتوجه وننظر في شأن هذه الفتية، وكانوا بعد أن قاموا من نومهم على حالهم من الشباب وبهاء المنظر ونضارة الشباب.
فتوجه الأمير ومن معه جميعًا وتمليخا معهم حتى أتوا المغارة، وكان الفتية قد فقدوا أخاهم واستبطؤوه فحزنوا لذلك كثيرًا فدخل عليهم قبل الجماعة، وأخبرهم بما صار له، ثم دخل الأمير ومن معه وتكلموا معهم، وأرسلوا إلى الملك وأخبروا بما صار، فأتى إليهم وجلس معهم ورأوا الأسماء المكتوبة في اللوح الرصاص بباب المغارة، فازداد بذلك إيمانهم ويقينهم، فشكر الله عز وجل الملك على هذه الآية العظيمة والنعمة الجزيلة.
ثم ودعهم الملك ومن معهم وانصرفوا، وألقى الله -جل شأنه- عليهم النوم، وعمر الملك على باب المغارة مسجدًا عظيمًا، وجعل في ذلك المكان عيدًا في كل عام يأتي الناس إليه ويتبركون بذلك الموضع، وألقى الله -جل شأنه- هيبة وإجلالًا على ذلك الغار، فلا يستطيع الدخول ولا الوصول إليهم.


الصفحة التالية
Icon