الصلاة والسلام- فترك بها ابنًا له وجماعة من قومه، فقتل ابنه غيلة، فلما رجع أخبر بذلك فأضمر قتل من فيها جميعًا وإحراق ما فيها من الكروم والنخل، فلما أقبل إليها حاربه أهلها، وجاءه حبران من أحبار اليهود من بني قريظة واصطحبا معه ونهياه عن إخراب المدينة وقالا له: أيها الملك لا تفعل، وإن أردت ذلك لم تقدر ولا يؤمن عليك من حصول العقوبة والنقمة، فإنها مهاجر نبي ومقامه سيخرج من هذا الحرم، وأشارا إلى مكة -شرفها الله تعالى-، فأوقع الله -جل شأنه- في قلبه حسن قولهما وأصغى إلى ما أشارا به عليه، وأصحبهما معه وترك التعرض للمدينة المشرفة، وتوجه إلى مكة -زادها الله تشريفًا-.
ولما كان قريبًا من عسفان أتاه نفر من هذيل قد خشوا أن يطأ أموالهم ويأخذها، فأرادوا أن يتقربوا ليندفع عنهم ويكون سببًا لهلاكه ووباله. فقالوا: أيها الملك إن هنا بيتًا لحجة العرب وفيه كنز عظيم قد أغفلته الملوك قبلك، ونحن نريد أن يكون لك؛ فإن فيه من الأموال شيء عظيم، فأجمع على ذلك وعزم، فوقع له مرض عظيم، فأرسل إلى الحبرين، وسألهما عن ما أصاب به من المرض، فقالا له: لعلك أيها الملك أضمرت سوءًا، وأخبرهما بما أضمره من هدم البيت العتيق، فنهياه عن ذلك وأخبراه أنه بيت معظم مجلل بنته الأنبياء عليهم السلام وحجوا إليه، وإن أراده بسوء هلك سريعًا، فاستشارهما ماذا يفعل، فأمراه إذا قدم عليه أن يطوف به ويتذلل لله عز وجل عنه. فقال لهما: وما يمنعكما أيضًا أن تفعلا معي كذلك؟ فقالا له: نحن نعمل أنه بيت إبراهيم عليه السلام ولا يمنعنا من ذلك إلا ما نصبه هؤلاء الجاهلية من الأصنام، وإهراقهم الدماء عنده.
فلما وصل تبع طاف بالبيت وسعى وحلق وتصدق وأطعم، ورأى في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف، ثم رأى أن يكسوه فكساه المعافر، ثم رأى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل، وكان تبع هو وقومه أولًا على دين غالب العرب وثنيين، فلما صحب هذين الحبرين اتبع ملة موسى عليه السلام


الصفحة التالية
Icon