قالت: قد رضيت أن أراه ناموسًا قد هان على يدك نفسي بنظرة إلى زهرات جمال وجهك. يا غلام: كن في صدق طلبك كبنت شعيب عليه السلام، بع نفسك في طمع نظرة من أهل الحمى، سارع بقطع المنازل وطي المراحل، تعزم مجرد من حوادث الإرادات، شوقًا إلى رؤية المحبوب ووليها نيل المطلوب، وادخل حرم الحرمة، وقف موقوف العبودية، وأم بجد الوجد، فعسى أن توقف بإزاء ليلى الأرواح، أو ترى ببصر يوسف يعقوب القلوب، فإن أتاك نسر من تلقائهم يحمل نسمة من نور جمالهم.
وبع نفسك بعودة من تألف برقهم غرامًا بعود ذلك الوصل، والله ما غبن بائع نفسه بلحظة واحدة. النظر: عبارة عن الرؤية بالأبصار ولم يسأله مخلوق في هذه الدار سوى صاحب المقام المحمود. والمشاهدة: عبارة عن الرؤية ببصائر الأسرار، فخرج من تواقيع مقاماتها من ديوان يختص برحمته، أيها المريد الصادق الشواق التواق: إن ظفرت بخلعة المشاهدة في خلوة مجلس سرك، وإن لم تنلها فاستقم على جادة الصدق حتى يأتيك اليقين، وتنقل -إن شاء الله تعالى- إلى دار الصديقين، فانظر إلى مطلوبك، ونافذ نصيبك من رؤية محبوبك، الشجاعة صبر ساعة، يا غلام: كن موسى ألهمه لا تصنع بدون أرني، أولها التوحيد ﴿مام قلت لهم إلاٍ ما أمرتني به﴾ [المائدة: ١١٧]، والثبات ﴿ما زاغ البصر وما طغى (١٧)﴾ [النجم: ١٧]. أول أحوال الأنبياء عليهم السلام مراقي أقدام الأولياء، بداءة أفعال الرسل، أقصى معارج همم العارفين. طوبى لك يا فقير ليلة، يقع موسى عقلك في شاطئ وادي عرفانك، في البقعة المباركة من قربك، إن أردت أن تعرف ما طلب دلائل تلك آثار في صفحات وجوه الأعمال ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ [التوبة: ١٠٥] يا محل العقول ارفعي في زهرة البساتين، واجمعي شهد المعارف من هذه الحقائق حتى إذا مرض ولي من الأولياء بغير معراج المحبة، قلنا لطبيب أسقام العارفين حليم الشريعة الإسلامية، صاحب الملة الحنيفية، إنك بلسان قلت له لك في الفصاحة: ﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين (٥٧)﴾ [يونس: ٥٧].