كان لا يفهم معنى البيت لكونه حوشي اللغات أو منطويًّا على حوشي فهذه كلها من مواهب الله تعالى، لا تؤخذ باكتساب لكن الاكتساب يقويها، وليس العرب متساوين في الفصاحة، ولا في إدراك المعاني، ولا في نظم الشعر بل فيهم من يكسر الوزن، ومن لا ينظم ولا بيتًا واحدًا، ومن هو [مقل] من النظم، وطباعهم كطباع سائر الأمم في ذلك حتى فحول شعرائهم يتفاوتون في الفصاحة، وينقح الشاعر منهم القصيدة حولًا، حتى تسمى [قصائده] الحوليات، فهم مختلفون في ذلك.
ولذلك كان بعض الكفار حين سمع القرآن أدرك إعجازه للوقت، فوقف وأسلم، وآخر أدرك إعجازه فكفر ولج في عناده بغيًّا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فنسبه تارة إلى الشعر، وتارة إلى الكهانة والسحر، وآخر لم يدرك إعجازه كتلك المرأة العربية التي قدمنا ذكرها.
وكحال أكثر الناس، فإنهم لا يدركون إعجاز القرآن من جهة الفصاحة، فمن أدرك إعجازه فوقف وأسلم بأول سماع. سمعه أبو ذر -رضي الله تعالى عنه- قرأ عليه رسول الله ﷺ من أوائل فصلت، فأسلم للوقت، وخبره في إسلامه مشهور.
ومن أدرك إعجازه وكفر عنادًا عتبة، وكان من عقلاء الكفار، حتى كان يتوهم أمية بن أبي الصلت أنه هو يعني عتبة يكون النبي المبعوث في قريش، فلما بعث محمد ﷺ حسده عتبة وأضرابه مع علمهم بصدقه وأن ما جاء به معجز، وكذلك الوليد بن المغيرة.


الصفحة التالية
Icon