وإنما أثبتنا بهذه الجملة من الكلام ليعلم أن أذهان الناس مختلفة في الإدراك على ما شاء الله تعالى، وأعطى كل واحد ما شاء، ولنبين بأن علم التفسير ليس متوقفًا على علم النحو فقط كما يظنه بعض الناس، بل أكثر أئمة العربية، هم بمعزل عن التصرف في الفصاحة والتفنن في البلاغة.
ولذلك قلت تصانيفهم في علم التفسير، وقل أن ترى نحويًّا بارعًا من النظم والنثر، كما قل أن ترى بارعًا في الفصاحة يتوغل في علم النحو.
وقد رأينا من ينسب للإمامة في علم النحو، وهو لا يحسن أن ينطق بأبيات من أشعار العرب، فضلًا عن أن يعرف مدلولها، أو يتكلم على ما انطوت عليه من علم البلاغة والبيان، فأنى لمثل هذا أن يتعاطى علم التفسير. انتهى.
وأما وجه الحاجة إليه، فقال بعضهم: اعلم أن من العلوم أن الله تعالى إنما خاطب خلقه بما يفهمونه، ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه، وأنزل على كتابه على لغتهم، وإنما احتيج إلى التفسير لما سيذكر بعد تقرير قاعدة، وهي أن كل من وضع من البشر كتابًا؛ فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح، وإنما احتيج إلى الشرح لأمور ثلاثة: أحدها: كمال فضيلة المصنف، فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز، فربما عسر فهم مراده، فقصد [حينئذٍ] بالشرح ظهر تلك المعاني الخفية، ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له.
والثاني: إغفاله بعض تتمات المسألة أو شروط لها، اعتمادًا على وضوحها، أو لأنها من علم آخر فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه.
والثالث: احتمال اللفظ لمعان كما في المجاز والاشتراك ودلالة


الصفحة التالية
Icon