والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، وقال أنس -رضي الله تعالى عنه-: كان الرجل إذا قرأ البقرة، وآل عمران، جد في أعيننا. رواه أحمد في مسنده. وأقام ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- على حفظ البقرة ثمان سنين، أخرجه في الموطأ. وذلك أن الله تعالى قال: ﴿كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته﴾ [ص: ٢٩]، وقال: ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ [النساء: ٨٢]، وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن، وأيضًا في العادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فن من العلم كالطب، والحساب، ولا يستشرحونه، فكيف بكتاب الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم، وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم! ولهذا كان النوع بين الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في تفسير القرآن قليلًا جدَّا. وهو وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة؛ فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم.
ومن التابعين من تلقى التفسير عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال، والخلاف بين السلف في التفسير قليل، وغالبًا ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تضاد، وذلك صنفان: أحدهما: أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، كتفسيرهم ﴿الصراط المستقيم﴾ [الفاتحة: ٦] بعضٌ: بالقرآن؛ أي اتباعه، وبعضٌ: بالإسلام، فالقولان متفقان؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، ولكن كل منهم نبه على وصف (غير الوصف) الآخر، كما أن لفظ ﴿صراط﴾ يشعر بوصف ثالث.