الثاني: أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة أي تضم إليها السورة في كل ركعة. اختاره ابن عاشور قائلا: "ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة كذا في الكشاف (١) قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب (٢)، وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة" (٣) (٤).
الثالث: وإمَّا لأنَّها تَثنَّى نزولها، فَمَرَّة بِمكَّة حين فُرِضَت الصَّلاة وأخرى بالمدينة حين حُوِّلَت القِبلة (٥)، قال ابن عاشور: " وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ جِدًّا وَتَكَرُّرُ النُّزُولِ لَا يُعْتَبَرُ قَائِلُهُ، وَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ فَأَيُّ مَعْنًى لِإِعَادَةِ نُزُولِهَا بِالْمَدِينَةِ" (٦).
الرابع: وإمَّا لاشتمال كلٍّ مِن آياتها السَّبع على الثّناء عليه جلَّ شأنُه؛ إمّا تصريحاً أو تلويحاً، وهو مبنيٌّ على ما هو الصَّحيح مِن عَدِّ التَّسمية آية منها، وعَدِّ ﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾ بعضاً من السَّابعة، وإلَّا فتَضمُّنها الثّناء غير ظاهر.
الخامس: وإمّا لتكرُّر ما تضمَّنته من المقاصد: فالثَّناء عليه سبحانه قد تَكَرَّر في جُملتَي البسملة والحمدِ لَه. وتخصيصُه عزَّ وعلا بالإقبال عليه وحده والإعراض عمَّا سواه قد تكرَّر في جملَتَي
(٢) قال السيوطي في حاشيته على تفسير البيضاوي: " أخرجه ابن جرير في تفسيره بسند حسن عنه قال: " السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة"، ولم أر هذا اللفظ في تفسير الطبري عن عمر، ولكن رأيت فيه: ما لهم رغبة عن فاتحة الكتاب، وما يبتغي بعد المثاني: ١٤/ ٥٤. (انظر: نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: ٩١١ هـ)، جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين، المملكة العربية السعودية (٣ رسائل دكتوراة)، ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٥ م: ص ١/ ٤٩.
(٣) تفسير التحرير والتنوير، الشيخ محمد بن الطاهر ابن عاشو، دار التنوسية للنشر، التونس، ١٩٨٤: ص ١/ ١٣٥.
(٤) وقيل أن في كلام صاحب (الكشّاف): "لأنّها تُثنَّى في كلِّ ركعة"، وهو بظاهره غير صحيح، ووجوه التَّكلُّف لتوجيهه مشهورة، أجودُها حمل الرَّكعة على الصّلاة تسمية لِلكلّ باسم الجزء، ولا يرِدُ عليه الوِتْر إذ ليست في مذهبه، ولا صلاة الجنازة، وإنْ جُعِلت صلاة حقيقة لعدم إطلاقه الرَّكعة عليها.
(٥) قال السيوطي في الإتقان: الأكثرون على أنها مكية... واستدل لذلك بقوله تعالى "ولقد آتيناك سبعا من المثاني" وفسرها - ﷺ - بالفاتحة كما في الصحيح، وسورة الحجر مكية بالإتقان، وقد امتن على رسوله فيها بها، فتدل على تقدم نزول الفاتحة عليها، إذ يبعد أن يمتن عليه بما لم ينزل بعد.
وانظر في: صحيح البخاري ٤/ ١٥٢٥ ح ٣٩١٩ وتفسير الطبري ٢٦/ ٦٩ والمحرر الوجيز ١٣/ ٤٢٧ وزاد المسير ٧/ ٤١٨ والتفسير الكبير ١/ ١٧٧ وتفسير القرآن العظيم ٧/ ٣٢٥ والإتقان في علوم القرآن ١/ ٣٤.
(٦) تفسير التحرير والتنوير، الشيخ محمد بن الطاهر ابن عاشو، دار التنوسية للنشر، التونس، ١٩٨٤: ص ١/ ١٣٥.