السادس: الصَّلاة:
فقد ثبت في حديث أبي هريرة عن النبيِّ - ﷺ - قال: "قال الله تعالى: قُسمت الصَّلاةُ بيني وبين عبدي نصفين، فنصفُها لي، ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سأل" خرَّجه مسلمٌ (١).
وإنَّما سُمِّيت "صلاةً" لأنَّ الصلاةَ لا تخلوُ عنها، ولا تصحُّ إلاَّ بها، فسُمِّيت "صلاةً"، كما تسمَّى الصلاةُ "قرآناً"، كما في قوله تعالى: ﴿وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا﴾] لإسراء: ٧٨].
وقد سمَّاها بهذا الاسم جماعةٌ من الأئمةِ.
قال أبو شَامَة في أثناء كلامٍ له: "هذا إذا سلَّمنا توجَّه التنصيف إلى آيات الفاتحة، وذلك ممنوعٌ من أصلِه، وإنَّما التنصيف متوجِّهٌ إلى الصلاة بنصِّ الحديث، فإن قيل: المرادُ قراءة الصلاةِ، قلنا: بل المراد قسمةُ ذِكْرَ الصلاةِ، أي: الذِّكْرُ المشروعِ فيها وهو ثناءٌ ودعاءٌ، فالثناءُ: منصرفٌ إلى الله تعالى، سواء ما وقع منه في القراءةِ، وما وقع منه في الركوعِ والسجودِ، وغيرهِما، والدعاءُ منصرفٌ إلى العبدِ، سواء ما وقع منه في القراءة والسجود وغيرِهما.
وأقرّه عليه النوويُّ مع تسميته الفاتحة بـ (الصلاة) " (٢).
السابع: - رقية الحقِّ:
وقد ثبت عن النبيِّ - ﷺ - أنَّه قال للذي رَقَى بالفاتحة: "وما يدريك أنَّها رقيةٌ"، وثبت أنَّه قال: "لقد أكلتَ برقيةِ حقٍّ" (٣).
الثامن: - سورة الحمد:
وقد اشتهر تسميتُها بذلك، وحَمَلَ كثيرٌ من النَّاس حديثَ: (كان يفتتحُ الصَّلاة بـ ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ على أنَّه أُريد ذكر اسم السُّورة.
فإن قيل: ففي القرآن سُورٌ كثيرةٌ أوَّلُها: ﴿الحمد لله﴾، فما وجهُ تسمية الفاتحة بـ "سورة الحمد" دون غيرها؟
فالجواب: أنَّ الثناء على الله سبحانه في هذه السُّورة هو المقصودُ الأعظم من سائرِ معانيها، وقد استوعب نحو شطرها، فهو الغالب عليها، فسمِّيت بما غَلَبَ عليها، بخلافِ غيرِها.

(١) صحيح مسلم: (٣٩٥).
(٢) "المجموع"، وقد نقل كلام أبي شامة (٣/ ٣٣٩)، وانظر تسميته الفاتحة بـ "الصلاة" فيه (٣/ ٣٣١)، وفي "شرح مسلم" (٤/ ١٠٣).
(٣) أخرجه أبو داود (٣٤٢٠، ٣٨٩٦، ٣٨٩٧) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (
١٠٣٢) وعنه ابن السني (رقم ٦٢٤) والطحاوي في " شرح المعاني " (٢/ ٢٦٩)
والحاكم (١/ ٥٥٩ - ٥٦٠) والطيالسي (١٣٦٢) وأحمد (٥/ ٢١٠ - ٢١١) من
طريق الشعبي نْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ فَأَتَوْهُ بِرَجُلٍ مَعْتُوهٍ فِي الْقُيُودِ فَرَقَاهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَكُلَّمَا خَتَمَهَا جَمَعَ بُزَاقَهُ ثُمَّ تَفَلَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلْ فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ" وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. قال الألباني: وهو كما قالا إن شاء الله، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير خارجة بن الصلت، فروى عنه مع الشعبي عبد الأعلى بن الحكم الكلبي، وذكره ابن حبان في" الثقات "، لكن قال ابن أبي خيثمة: " إذا روى الشعبي عن رجل وسماه فهو ثقة، يحتج بحديثه ". ذكره الحافظ في " التهذيب " وأقره، وكأنه لذلك قال الذهبي في " الكاشف ": " ثقة ". (قاله الألباني في: " السلسلة الصحيحة " ٥/ ٤٤).


الصفحة التالية
Icon