الإِنْسِ وَالْجِنِّ} (١)، وقال سبحانه عن المنافقين: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ (٢) أي إلى أصحابهم من الجن والإنس (٣).
وإذا كان الجن ممن يساكن الناس، قالوا: عامر، جمع عمار، وإذا كان مما يعرض للصبيان، قالوا: أرواح، والخبيث من الجن هو الشيطان، والأشد خبثاً مارد. ومن اشتد أمره من المردة: عفريت، وجمعه عفاريت (٤)
والجن ثلاثة أصناف كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صنف يطير في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون" (٥)
وردت آيات قرآنية كثيرة في الجن، وسميت السورة الثانية والسبعون من كتاب الله تعالى باسمهم: (سورة الجن).
وقد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على وجود الجن ودل عليه كذلك الإجماع، وعليه فإنه لا يجوز لأي أحد من الناس إنكارهم، ولذا قال جمع من أهل العلم: إنه يكفر من أنكرهم، ففي كتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (٦) لابن حزم قوله: "وأجمع المسلمون كلهم على ذلك – أي على وجود الجن وأنهم خلق من خلق الله – نعم والنصارى والمجوس والصابئون وأكثر اليهود حاشا السامرة فقط، فمن أنكر الجن أو تأول فيهم تأويلاً يخرجهم به عن هذا الظاهر، فهو كافر مشرك حلال الدم والمال".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، ولا في أن الله أرسل محمدًا - ﷺ - إليهم، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن، أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم مقرون بهم كإقرار المسلمين، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك كما يوجد في طوائف المسلمين كالجمهية والمعتزلة من ينكر ذلك، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك، وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواترًا معلومًا بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفات وأعراضًا قائمة بالإنسان أو غيره كما يزعم بعض الملاحدة، فلما كان أمر الجن متواترًا عن الأنبياء تواترًا ظاهرًا، تعرفه العامة والخاصة لم يمكن طائفة كبيرة من الطوائف المؤمنين بالرسل أن تنكرهم، كما لم يمكن لطائفة كبيرة من الطوائف المؤمنين بالرسل إنكار الملائكة، ولا إنكار معاد الأبدان، ولا إنكار عبادة الله وحده لا شريك له، ولا إنكار أن يرسل الله رسولاً من الإنس إلى خلقه، ونحو ذلك مما تواترت به الأخبار عن الأنبياء تواترًا تعرفه العامة والخاصة، كما تواتر عند العامة والخاصة مجيء موسى إلى فرعون، وغرق فرعون، ومجيء المسيح إلى اليهود وعداوتهم له، وظهور محمد - ﷺ - بمكة وهجرته إلى المدينة، ومجيئه بالقرآن والشرائع الظاهرة، وجنس الآيات الخارقة التي ظهرت على يديه، كتكثير الطعام والشراب، والإخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة التي لا يعلمها بشر إلا بإعلام الله وغير ذلك (٧).

(١) سورة الأنعام: ١١٢.
(٢) سورة البقرة: ١٤.
(٣) المفردات للراغب الأصفهاني، وانظر فتح الباري: (٦/ ٣٤٤).
(٤) آكام المرجان ص ٨.
(٥) أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي، وإسناده صحيح. صحيح الجامع ٣/ ٨٥.
(٦) (٥/ ١٢).
(٧) مجموع الفتاوى: (١٩/ ١٠، ١١).


الصفحة التالية
Icon