لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٢٧]، فالشيطان في هذه الآيات مراد به إبليس، لأن القرآن يتحدث عن قصة إغوائه لآدم وحواء عليهما السلام.
والذي يتأمل القرآن يرى أن إطلاق لفظ إبليس لم يرد إلا في معرض الحديث عن إباء إبليس من السجود لآدم، ولم يرد هذا الإطلاق خارج الحديث عن إبائه من السجود إلا في موضعين:
الأول: في سورة الشعراء وهو قوله تعالى: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ [الشعراء: ٩٤ - ٩٥]، وفي هذا الموضع يكون مراداً به جمع إبليس وجنوده من الجن والإنس في نار جهنم، باعتبار الرئيس والأتباع.
الثاني: في سورة سبأ في قوله تعالى ﴿: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٢٠]، وهذا هو الموضع الوحيد الذي ورد فيه لفظ إبليس في معرض الحديث عن ممارسة غوايته وإفساده للناس.
قوله: (الرَّجِيمِ)، أي: " الملعون المشتوم" (١).
قال الطبري: " وكل مشتوم بقولٍ رديء أو سبٍّ فهو مَرْجُوم. وأصل الرجم الرَّميُ، بقول كان أو بفعل. ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم -صلوات الله عليه-: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ﴾ [سورة مريم: ٤٦].
وقد يجوز أن يكون قِيل للشيطان «رجيم»، لأن الله جل ثناؤه طرَده من سَمواته، ورجمه بالشُّهب الثَّواقِب" (٢).
و(الرجيم): صفة للشيطان، وهو مفعول في معناه على وزن فعيل، وفي سبب تسميته بذلك أقوال (٣):
أحدها: أنه سُمِّي بالرجيم، لأنه أتى إبراهيم عليه السلام وهاجر وإسماعيل في منى، فاستعطف إبراهيمَ حتى لا يذبح ولده، فقال: أعوذ بالله منك فرجمه، ثم استعطف هاجر على ولدها فقالت: أعوذ بالله منك فرجمته، ثم استعطف إسماعيل عليه السلام على نفسه، فقال: أعوذ بالله منك فرجمه"، فصار الرجم من مناسك الحج إلى يوم القيامة.
وعلى هذا القول فإن "الرجيم" بمعنى: المرجوم الملعون والملعون المطرود" (٤)، وهو مذهب أهل التفسير، والملعون عند العرب: المطرود، إذا قالت العرب: لعن الله فلانا، فمعناه: طرده الله. وكذلك: على الكافر لعنة الله، فمعناه: عليه طرد الله، قال الشماخ (٥):

وماء قد وردت لوصل أروى عليه الطير كالورق اللجين
ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين
معناه: كالرجل المطرود (٦).
والثاني: وقيل: سُمِّي بالرجيم، لأنه يسترق السمع في السماء فترجُمُه الملائكة، قال سبحانه: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ﴾ [الحجر: ١٨].
(١) تفسير الطبري: ١/ ١١٢.
(٢) تفسير الطبري: ١/ ١١٢.
(٣) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ١١٦.
(٤) النكت والعيون، الماوردي: ١/ ٤٣.
(٥) ديوانه: ٣٢٠.
(٦) انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس: ١/ ٥٨.


الصفحة التالية
Icon