ثانياً: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته، والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه.
ثالثاً: أن الشيطان يُجلب بخيله ورجله على القارئ حتى يشغله عن المقصود بالقرآن.
رابعاً: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير أو يدخل فيه.
الفوائد:
١ - مشروعية الاستعاذة دائماً من الشيطان.
٢ - فيه دليل على أن الإنسان ينبغي أن يطلب العون من الله على الطاعة وعلى مجاهدة عدوه
٣ - وفيه دليل على اعتراف العبد بالعجز وقدرة الرب.
٤ - وفيه أنه لا وسيلة إلى القرب من الله إلا بالعجز والانكسار.
٥ - وفيه الإقرار بالفقر التام للعبد، والغنى التام لله سبحانه وتعالى.
القرآن
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)﴾ [الفاتحة: ١]
التفسير:
أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به، اللهِ علم على الرب -تبارك وتعالى- المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه. الرَّحْمَنِ ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق، الرَّحِيمِ بالمؤمنين، وهما اسمان من أسمائه تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله.
قال الماوردي: " أجمعوا أنها من القرآن في سورة النمل، وإنما اختلفوا في إثباتها في فاتحة الكتاب، وفي أول كل سورة، فأثبتها الشافعي في طائفة (١)، ونفاها أبو حنيفة في آخرين" (٢).
قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١]، أي: " أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء" (٣).
قال الثعلبي: " وفي الكلام إضمار واختصار تقديره: قل، أو ابدأ بسم الله" (٤).
قال ابن عباس: " أوّل ما نزل جبريل على محمد ﷺ قال: يا محمد، قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال: قل: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ ". قال ابن عباس: " ﴿بسم الله﴾، يقول له جبريلُ: يا محمد، اقرأ بذكر الله ربِّك، وقم واقعد بذكر الله " (٥).
واختُلِفَ في قوله تعالى: ﴿بِسْم﴾ [الفاتحة: ١]، على قولين (٦):
القول الأول: أنها صلة زائدة، وأن الاسم هو المسمى، وإنما هو: اللهُ الرحمنُ الرحيمُ، قاله أبو عبيدة (٧) وآخرون (٨)، واستشهدوا بقول لبيد (٩):

(١) قال الشافعي: " قال الشَّافِعِي: ثم بعد قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) يقراً
مرتلا بأم القرآن ويبتدئها ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، أن النبي - ﷺ - قرأ بأم القرآن وعدَّها - أي: البسملة - آية." [تفسير الإمام الشافعي: ١/ ١٩٢].
(٢) النكت والعيون: ٤٧.
(٣) تفسير الطبري: ١/ ١١٥.
(٤) تفسير الثعلبي: ١/ ٩٢.
(٥) أخرجه الطبري (١٣٩): ص ١/ ١١٧.
(٦) انظر: النكت والعيون: ٤٧.
(٧) انظر: مجاز القرآن: ١/ ١٦.
(٨) منهم الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" ١/ ٩٢، وقرره أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ١/ ١٦، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢. وقد رد الطبري هذا القول كما سبق، كما رد عليه ابن جني في كتابه "الخصائص" حيث أبان في (باب في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم) قال: "فيه دليل نحوي غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى". [الخصائص: ٣/ ٢٤].
(٩) ديوانه، القصيدة رقم: ٢١، والخزانة ٢: ٢١٧، ثم يأتي في تفسير آية سورة التوبة: ٩٠ (١٠: ١٤٤ بولاق)، وآية سورة الرعد: ٣٥ (١٣: ١٠٩) والشعر يقوله لابنتيه، إذ قال:ثم أمرهما بأمره فقال قبل بيت الشاهد:وقولا:
تَمَنَّى ابنتَايَ أن يعيشَ أبُوهما وهَلْ أنا إلاَّ من ربيعة أو مُضَرْ!
فقُومَا فقولا بالذي قد علمتُما ولا تَخْمِشا وجْهًا ولا تَحْلِقا شَعَرْ
هو المرءُ الّذي لا خليلَه أَضاعَ، ولا خانَ الصديقَ، ولا غَدَرْ
فقوله " إلى الحول.. " أي افعلا ذلك إلى أن يحول الحول. والحول: السنة كاملة بأسرها. وقوله " اعتذر " هنا بمعنى أعذر: أي بلغ أقصى الغاية في العذر.


الصفحة التالية
Icon