والثاني: أما أبو حنيفة والثوري وأتباعهم فقرأوها في افتتاح "الحمد" ولكن أوجبوا إخفاتها.
والثالث: في حين أن الإمام الشافعي قرأها في الجهريات جهراً وفي الإخفاتيات إخفاتاً، وعدها آية من "الفاتحة"، وهذا هو قول أحمد بن حنبل أيضاً، واختلف المنقول عن الشافعي في أنها آية من كل سورة أم أنها ليست باية في غير "الفاتحة" (١).
ويترتب على القول بأن البسملة آية من الفاتحة أو ليست آية منها من حيث قراءة البسملة في الصلاة: أن من يقول أن البسملة آية من الفاتحة يقول بوجوب ويترتب على القول قرائتها في الصلاة (٢)، ولا تصح الصلاة إلا بقرائتها؛ لأنها من الفاتحة؛ لقوله - ﷺ -: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " (٣)؛ ومن يقول: إنها ليست من الفاتحة؛ ولكنها آية مستقلة من كتاب الله يقول قرائتها جائزة (٤)، ومن يقول ليست البسملة من الفاتحة ولا من غيرها يقول تكره قراءة البسملة في الصلاة فلا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سرا ولا جهرا (٥)، ويترتب على كون البسملة آية أو بعض آية حرمة مس المحدث حدثا أكبر أو أصغر ورقة مكتوب فيها البسملة عند القائلين بحرمة مس المحدث المصحف، وهم جهور العلماء؛ لأن البسملة ما دامت آية أو بعض آية فهي من المصحف فتأخذ حكمه.
والنصوص في ذلك متواترة، أما عن طريق العامة فهنالك روايات كثيرة تدل على ذلك:
١. عن ابن جريح عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي)، قال: " فاتحة الكتاب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) " - وقرأ السورة، قال ابن جريح: "فقلت لأبي: لقد أخبرك سعيد عن ابن عباس أنه قال: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية؟ " قال: "نعم" (٦).
٢. ما صحَّ عن ابن عباس أيضاً قال: "إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا جاءه جبرائيل فقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، علم أنها سورة" (٧).
٣. ما صح عن ابن عباس أيضاً قال: "كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلم ختم السورة حتى تنزل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) " (٨).
٤. ما صح عنه أيضاً قال: "كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، فإذا نزلت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) علموا أن السورة قد انقضت." (٩).
٥. ما صح عن أم سلمة قالت: "كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ.. ) إلى آخرها - يقطعها حرفاً حرفاً" (١٠).
(٢) انظر تحفة الأحوذي ٢/ ٤٧ محمد عبد الرحمن المباركفوري أبو العلا دار الكتب العلمية - بيروت
(٣) رواه البخاري في صحيحه رقم ٧٥٦، ورواه مسلم في صحيحه رقم ٣٩٤
(٤) انظر تحفة الأحوذي ٢/ ٤٧
(٥) - تفسير القرطبي ١/ ١١١ دار الحديث الطبعة الثانية ١٤١٦ هـ ١٩٩٦ م، والاستذكار لابن عبد البر ١/ ٤٥٥ الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى، ١٤٢١ – ٢٠٠٠ تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي
(٦) انظر: تفسير سورة الفاتحة من كتاب التفسير من المستدرك للحاكم ومن تلخيصه للذهبي - ص ٢٥٧ - ج ٢، وقد صرح الحاكم والذهبي بصحة إسناد الحديث.
(٧) أخرجه الحاكم في كتاب الصلاة من مستدركه - ص ٢٣١ - ج ١
(٨) مستدرك الحاكم في كتاب الصلاة من مستدركه - ص ٢٣١ - ج ١
(٩) مستدرك الحاكم - ج ١ - ص ٢٣٢، قال: "هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، " وصححه الذهبي أيضاً في التلخيص
(١٠) مستدرك الحاكم - ج ١ - ص ٢٣٢، والذهبي في تلخيصه، وقد صرحا بصحة الحديث