وَاعْلَمْ وأَيْقِنْ أنَّ مُلْككَ زائلٌ واعلمْ بأَنَّكَ مَا تدِينُ تُدَانُ
يعني: ما تَجْزِي تُجازى.
ومن ذلك قول الله جل ثناؤه ﴿كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ - يعني: بالجزاء - ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ [سورة الانفطار: ٩، ١٠] يُحصون ما تعملون من الأعمال، وقوله تعالى ﴿فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ [سورة الواقعة: ٨٦]، يعني غير مجزيِّين بأعمالكم ولا مُحاسَبين" (١).
وفي أصل (الدين) في اللغة، قولان (٢):
أحدهما: العادة، ومنه قول المثقَّب العَبْدِي (٣):
تَقُولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي أَهذَا دِينُهُ أَبَداً وَدينِي
أي عادته وعادتي.
والثاني: أنَّ أصل الدين الطاعة، ومنه قول زهير بن أبي سُلمى (٤):
لَئِن حَلَلْتَ بِجَوٍّ في بَنِي أَسَدٍ في دِينِ عَمْرٍو وَمَالتْ بَيْنَنَا فَدَكُ
أي في طاعة عمرو.
وفي هذا اليوم قولان (٥):
أحدهما: أنه يوم، ابتداؤه طلوع الفجر، وانتهاؤه غروب الشمس.
والثاني: أنه ضياء، يستديم إلى أن يحاسب الله تعالى جميع خلقه، فيستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
وفي اختصاصه بملك يوم الدين تأويلان (٦):
أحدهما: أنه يوم ليس فيه ملك سواه، فكان أعظم من مُلك الدنيا التي تملكها الملوك، وهذا قوله الأصم (٧).
(١) تفسير الطبري: ١/ ١٥٥.
(٢) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٦ - ٥٧.
(٣) ديوانه: ١٩٥، وانظر: الكامل ١/ ٣٢٩، الصناعتين ص ٨٦ "اللسان" (درأ) ١٣٤٩، الطبري ١/ ٥١١، "تأويل مختلف الحديث" ٨٢، "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٦٦، "تاج العروس" (درأ) ١/ ١٥٠.
(٤) البيت في "شرح ديوانه" ص ١٨٣، و"تفسير ابن جرير" ١٠/ ١٠٩.
و"جو": موضع في ديار بني أسد، و"عمرو": هو عمرو بن هند بن المنذر بن ماء السماء، و"فدك": قرية معروفة شمال الحجاز.
والشاعر يخاطب الحارث بن ورقاء الأسدي، الذي أغار على إبل زهير، وأسر راعيه وكانت بنو أسد تحت نفوذ عمرو بن هند ملك العراق، فهدد زهير الحارث بهجاء لاذع إن لم يرد الإبل والراعي، يقول بعد البيت المذكور:
ليأتينك مني منطق قذع باق، كما دنس القبطية الودك
انظر: "شرح الديوان" ص ١٦٤، ١٨٣.
(٥) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٧.
(٦) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٧.
(٧) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٧.


الصفحة التالية
Icon