زيادة المِلك على المالك، إذْ كان معلومًا أن لا مَلِك إلا وهو مالكٌ، وقد يكون المالكُ لا ملكًا " (١).
ثم ذكر الطبري بأن الله نبه على أنه مالكهم بقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فحمل قوله ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ على وصف زائد أحسن (٢).
ومن نصر القراءة الأولى، أجاب ابن جرير الطبري بأن قال: ما ذكرت لا يرجح قراءة ملك؛ لأن في التنزيل أشياء على هذِه الصورة قد تقدمها العام وذكر بعده الخاص، كقوله ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)﴾ [العلق: ١ - ٢]، وقوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، ثم قال: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ٤]. في أمثال كثيرة لهذا (٣).
قال ابن كثير: قرأ بعض القراء (ملك يوم الدين) وقرأ آخرون (مالك) وكلاهما صحيح متواتر في السبع، ويقال (ملك) بكسر اللام وبإسكانها، ويقال: (مليك) أيضا، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ (ملكي يوم الدين)، وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى وكلتاهما صحيحة وحسنة (٤).
قال ابن عثيمين: " وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جلّ وعلا ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكاً، ولكن ليس بمالك: يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكاً، ولا يكون ملكاً: كعامة الناس؛ ولكن الرب عزّ وجلّ مالكٌ ملِك" (٥).
قلت: ولا وجه لتفضيل قراءة على أخرى -كما فعل بعض المفسرين-؛ إذ لا يظهر وجه للتفضيل هنا، وكل قراءة تدل على معنى جميل في ذاته. والله أعلم.
القراءة الثالثة: ﴿مَلِكَ﴾، على وزن ﴿فَعِلَ﴾، قرأ بها ابن كثير، أبو عمرو.
وفي الآية قراءات شاذة، وهي (٦):
١ - (مَلْكِ) على وزن (فَعْلِ)، قرأ بها عاصم الجحدي، وأبو عمرو.
٢ - (مَلِكِي) بإشباع (الكاف)، وهي قراءة أحمد بن صالح عن ورش عن نافع.
٣ - (مَلَكَ يومَ) بصيغة فعل الماض، قرأ بها عاصم بن ميمون الجحدي، والحسن، وعلي بن أبي طالب.
٤ - (مالكَ): قرأ بها المطوعي، والأعمش.
٥ - (مَلُكَ) على وزن (فَعُلَ): قرأ بها عاصم الجحدي، ورواها الجعفي وعبدالوارث عن أبي عمرو.
٦ - (ملكاً): روى ابن أبي عاصم عن اليمان.
٧ - (مالكٌ يومَ): قرأ بها خلف ابن هشام.
٨ - (مليكِ) على وزن (فعيلِ): وهي قراءة أبي بن كعب
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١/ ١٥٠.
(٣) انظر: التفسيرالبسيط: ١/ ٥٠٢، والحجة: ١/ ١٨ - ١٩.
(٤) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٤.
(٥) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٢.
(٦) انظر: تفسير البيضاوي: ١/ ٢٨، وتفسير القرطبي: ١/ ٣٦ - ٣٧، والكتاب الفريد في اعراب القران المجيد: ١/ ٧٦ - ٧٧، ومجمع البيان، الطبرسي: ١/ ٣٢، والبحر المحيط في التفسير: ١/ ٣٨ - ٣٩.