فقوله تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ أي ابتدأنا إنزاله. وهو يقتضي حمل القرآن على أن المراد به بعض أجزائه وأقسامه (١) فقوله تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ أي أنزلنا بعضه.
٣ - أن القول بأن المسألة عقدية لا بد لها من أدلة متواترة قطعية الثبوت لإفادة العلم اليقيني ولا يكفي فيها الآثار الموقوفة؛ قول غير مسلم. واستبعاد الاستدلال بأحاديث الآحاد على العقائد غير صحيح فالعبرة بصحة الحديث فمتى صح الحديث احتج به سواء كان آحادا أم متواترا وسواء كان في الأحكام أم العقائد (٢).
القول الثالث: أنّه نزل إلى السماء الدّنيا في ثلاث وعشرين ليلةِ قدر، في كلّ ليلة ينزل ما يقدّر الله إنزاله تلك السّنة.
وهذا قول ابن جريج (٣)، وأبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي (٤)، ومقاتل بن حيان (٥)، وقال بنحوه مقاتل بن سليمان (٦)، ونسبه السيوطي للفخر الرازي (٧)،
كما ينسب هذا القول في كثير من كتب علوم القرآن للماوردي (٨).
وهذا القول ضعيف مدفوع أيضا بمذهب الصّحابيّ.
قال عنه ابن حجر: "وهذا أورده ابن الأنباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضا" (٩).
وقال عنه القرطبي: "قلت: وقول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الإجماع "أن القرآن أنزل جملة واحدة" (١٠).
وحكاية القرطبي للإجماع هنا غير مسلمة لما علمته من الأقوال في ذلك.

(١) انظر: مفاتبح الغيب: ٥/ ٨٥.
(٢) انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم (٥٢).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٣/ ٤٤٧). وتفسير أبي الليث السمرقندي (١/ ٥٦٣) والدر المنثور للسيوطي (١/ ٤٥٧).
(٤) قاله في كتابه المنهاج (٢/ ٢٣٤ - )، وانظر: البرهان (١، ٢٢٩)، ولطائف الإشارات للقسطلاني (١/ ٢٢)، والمرشد الوجيز (١٩).
(٥) انظر: الإتقان للسيوطي (١/ ١٤٨)، والزيادة والإحسان لابن عقيلة المكي (١/ ٢١٥) بتحقيق د. محمد صفاء حقي. رسالة ماجستير غير منشورة. قسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين. الرياض.
(٦) انظر: حاشية المرشد الوجيز بتحقيق طيار آلتي قولاج (١٨). وتفسير مقاتل بن سليمان (١/ ٢٢ خ)، وتفسير أبي الليث السمرقندي (١/ ٥٦٢).
(٧) انظر: مفاتيح الغيب: ٥/ ٨٥. وهي نسبة غير محررة فقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره هذا القول وجعله محتملا، وتوقف في الترجيح بينه وبين القول بنزوله جملة واحدة من اللوح المحفوظ ثم نزوله منجما بعد ذلك. لكنه في موضع آخر وبعد صفحة واحدة رجح القول الثاني. فقال: ".. التنزيل مختص بالنزول على سبيل التدريج والإنزال مختص بما يكون النزول فيه دفعة واحدة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل﴾ إذا ثبت هذا فنقول: لما كان المراد ههنا من قوله تعالى: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن﴾. نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. لا جرم ذكره بلفظ الإنزال دون التنزيل وهذا يدل على أن هذا القول راجح على سائر الأقوال".
(٨) انظر: المرشد الوجيز لأبي شامة (١٨، ١٩)، والبرهان (١/ ٢٢٩)، والإتقان (١/ ١٤٨)، والزيادة والإحسان لابن عقيلة (١/ ٢١٥)، وهي نسبة غير محررة من حيث تحديد القول، وتعيين القائل.
(٩) فتح الباري (٩/ ٤)، ونقله القسطلاني في لطائف الإشارات (١/ ٢٢).
(١٠) تفسير القرطبي (٢/ ٢٩٨)، وانظر الإتقان (١/ ١٤٨).


الصفحة التالية
Icon