ومن الأحاديث والأخبار في هذا الشأن ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه" (١).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: " جوّدوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه فإنه عربي، والله يحب أن يعرب به" (٢).
وقال أبو بكر (٣)، وعمر (٤) رضي الله عنهما: " لبعض إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ حروفه" (٥).
وقال ابن عمر: "أعربوا القرآن" (٦).
قال السيوطي: "والمقصود من الإعراب في هذه النصوص ليس ما اطلع به علماء النحو، وإنما المقصود تفسير ألفاظه وتوضيح معانيه وبيان غريبه" (٧).
فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتَعلُّم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ] [آل عمران: ١٨٧]، وقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] [آل عمران: ٧٧].
فذمّ الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا أن ننتهي عما ذمَّهم الله تعالى

(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٦/ ١١٦)، وأبو يعلى الموصلي (٦٥٦٠): ص ١١/ ٤٣٦، والحاكم: ٢/ ٤٧٧، والبيهقي في شعب الإيمان: ٣/ ٥٤٨. وإسناده ضعيف.
(٢) النشر ١/ ٢١٠، وانظره في "الوجيز" للقرطبي ص ٨٨، ويؤيده ما رُوي عن البراء بن عازب من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم" وهو صحيح الإسناد. أخرجه أحمد ٤/ ٢٨٥، ٢٩٦، ٣٠٤، وأبو داود ٢/ ٧٤، برقم: ١٤٦٨، والنسائي ٢/ ١٧٩، ١٨٠، برقم: ١٠١٥، ١٠١٦، وابن ماجه ١/ ٤٢٦، برقم: ١٣٤٢، والدارمي ٢/ ٥٦٥، برقم: ٣٥٠٠، والحاكم في المستدرك ١/ ٥٧١ - ٥٧٥، والطيالسي في مسنده، انظر: منحة المعبود ٢/ ٣، برقم: ١٨٨٦.
(٣) هو: أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة بن عامر، خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفضل الأمة، وأحد المبشرين بالجنة، هو أشهر من أن يعرف. توفي سنة (١٣ هـ) وله (٦٣) سنة. وسيرته ومناقبه في أغلب كتب التاريخ، أفرد له المحب الطبري مجلدا خاصا من أربعة مجلدات في ترجمته للعشرة المبشرين بالجنة في كتابه المسمى (الرياض النضرة). [انظر: تذكرة الحفاظ: ١ ٤، وشذرات الذهب: ١ ٢٤].
(٤) هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح. لقبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالفاروق، وتولى الخلافة بعد أبي بكر الصديق، ولقب بأمير المؤمنين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. قتله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة سنة ٢٣ هـ، وعمره (٦٣) سنة. [انظر: تذكرة الحفاظ: ١ ٨، وشذرات الذهب: ١ ٣٣].
(٥) حكاه عنهما القرطبي في تفسيره: ١/ ٢٣، ولم أجده بهذا اللفظ وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري فقال: ''أما بعد: فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي فتمعددوا فإنكم معديون''. أ. هـ. أي تشبهوا بجدكم معد بن عدنان، انظر: المصنف (١٠ ٤٥٦).
(٦) أخرجه أبو علي الصواف في " الفوائد " (٣/ ١٦١/٢) وأبو علي الهروي في " الأول من الثاني من الفوائد " (١٨/ ٢) عن ليث عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مرفوعا وإسناده ضعيف. انظر: السلسلة الضعيفة والموضوعة، للألباني: ٣/ ٥٢١.
(٧) الإتقان، السيوطي: ٢/ ٢٢٤.


الصفحة التالية
Icon