سادساً: أول الحج:
ذكره ابن حبيب ومحمد بن بركات السعدي في كتابه الناسخ والمنسوخ، وجزم به السخاوي (ت: ٦٤٣) (١).
قال السيوطي في الإتقان: "وقد يستدل له بما أخرجه ابن مردويه عن عمران بن حصين أنها نزلت على النبي - ﷺ - وقد نعس بعض القوم وتفرق بعضهم فرفع بها صوته الحديث " (٢)، والحديث جاء عن عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بن خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١)﴾ [الحج: ١] (الحج آية ١) وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - فِي سَفَرٍ وَقَدْ نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ، وَتَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ، فَرَفَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - صَوْتَهُ... " (٣) الحديث.
فلم تنص أي رواية على أن ذلك كان ليلاً إلا رواية الطبراني حيث جاء فيها: "نزلت هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١)﴾ [الحج: ١] ونحن مع رسول الله - ﷺ - في سفر وقد نعس بعض القوم وتفرق بعضهم فرفع بها رسول الله - ﷺ - صوته " علماً بأن جميع الروايات تثبت أنها نزلت في سفر، وما جاء فيها من قول الراوي " وقد نعس بعض القوم وتفرق بعضهم فرفع بها رسول الله - ﷺ - صوته" فقط هو الذي يشير للنزول الليلي.
سابعاً: آية الإذن في خروج النسوة في الأحزاب:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً جَسِيمَةً لا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَأَىهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عرْقٌ فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا... وَكَذَا، قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ " (٤).
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - احْجُبْ نِسَاءَكَ. فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - يَفْعَلُ فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيَّ - ﷺ - لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَنَادَاهَا عُمَرُ أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ. حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزِلَ الْحِجَابَ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحِجَابَ " (٥).

(١) جمال القراء وكمال الإقراء (١/ ١٤).
(٢) الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٤٢).
(٣) الحديث أخرجه أحمد في المسند ح رقم ١٩٩١٥، النسائي ح رقم ع ٦٠، والترمذي ح رقم ٣١٦٨، والحاكم في المستدرك (١/ ٣٦)، الطبراني في المعجم الكبير ح رقم ٣٤٠، وقال الترمذي صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعا ولم يخرجاه ولا واحد منهما، وقال الذهبي: صحيح الإسناد.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: التفسير، باب: سورة الأحزاب ح رقم ٤٥١٦، ومسلم كتاب: السلام، باب: إباحة الخروج للنساء لقضاء الحاجة ح رقم ٥٧٩٦.
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب: السلام، باب: إِبَاحَةُ الْخُرُوجِ لِلنِّسَاءِ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الإِنْسَانِ ح رقم ٥٧٩٩.


الصفحة التالية
Icon