وانطلاقاً من هذا المفهوم الشامل للمنهج الدراسيّ المعاصر؛ فإنَّ للمنهج أربعة أركان رئيسية:
أولها: الأهداف التربويّة.
ثانيها: المادة العلميّة الشاملة للمعارف، وأوجه النشاط والخبرات التي تتكوّن منها مادة المنهج.
ثالثها: طُرق وأساليب التدريس المتبعة مع التلاميذ لدفعهم إلى التعلُّم وتحقيق أهدافه المرسومة.
رابعها: طُرق التقويم والقياس (١).
أمَّا المنهج الإسلاميّ فإنَّه يعرف بأنَّه قانون الحياة الذي أنزله الله سبحانه إلى الجنس الإنسانيّ ليحكّموه في حياتهم وشؤونهم المختلفة، وهو منهج يتجاوب مع الفطرة الإنسانيّة التي فطر الله تعالى الناس عليها، والله أعلم بها؛ لأنَّه خالقها، قال تعالى: [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤]، ذلك أنَّ الخالق أعلم بتصميم منهاج الحياة من الإنسان الذي يجهل طبيعة نفسه وطبيعة عقله، قال تعالى: [مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: ٥١].
إنَّ الإنسان يعلم ما يبدو له من ظاهر الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: ٧].
ومن هنا؛ فإنَّ الإطار العام لهذا المنهج التربويّ الربانيّ المُنْزَل في جميع الأديان متفق في تجاوبه مع الفطرة الإنسانيّة الكامنة في كل إنسان؛ لأنَّ الناس جميعاً صفتهم الفطرة مشتركة عقلاً، ونفساً، وروحاً، وقلباً، وجسماً، فهو منهاج متكامل للإنسان في هذه المجالات الخمسة، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠].
وبناءً على ما تقدّم؛ فإنَّا نقصد بـ "مناهج المفسّرين": "الطُرق التي يتبعها المفسِّرون في تفسير كتاب الله تعالى". ذلك أنَّ منهم الذي يعتمد على الرواية، ومنهم مَنْ يعتمد على الدّراية، ومنهم مَنْ يجمع بين الرواية والدّراية، ومنهم مَنْ يعتمد على الفهم الشَّخصيّ والمجال الذي تخصَّص فيه.
ومن هنا برزت عدّة مسمّيات، منها: "التَّفسير بالمأثور"، "التَّفسير الموضوعيّ"، "التَّفسير الصوفيّ الإشاريّ"، "التَّفسير الصوفيّ النَّظريّ"، "التفسير العلميّ"، و"التَّفسير البدعيّ" الذي يؤول كلام الله ويحمّله معاني فاسدة وبعيدة عن النَّص القرآنيّ الكريم.
إن أصح الطرق في ذلك أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن، ومن ثم بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، كما قال الشافعي-رحمه الله-: "كل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: ١٠٥]، وقال تعالى: ﴿وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٦٤] " (٢).
(٢) مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية: ١٣/ ٣٦٣، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤.