من حسابه باكورة الوحي إليه ﷺ عن طريق الرؤيا الصادقة ستة أشهر على أنها ثابتة في الصحيح. ثم جرى فيه على أنه ابتداء نزول القرآن كان ليلة السابع عشر من رمضان وهي ليلة القدر على بعض الآراء، غير أنه يخالف المشهور الذي يؤيده الصحيح.
ثم ذهب فيه مذهب القائلين بأن آخر ما نزل من القرآن هو آية: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ [المائدة: ٣] وذلك في تاسع ذي الحجة سنة عشر من الهجرة، وسترى في مبحث آخر ما نزل من القرآن أن هذا المذهب غير صحيح (١) " (٢).
ومما يعترض به على هذا التحديد أن يوم الفرقان ١٧ رمضان هو يوم الجمعة يقول الخضري عن يوم الفرقان، ويوم ابتداء إنزال القرآن الكريم: "... فهما متحدان في الوصف، وهو أنهما جميعا يوافقان الجمعة ١٧ رمضان وإن لم يكونا في سنة واحدة" (٣).
والقول بأن يوم ابتداء إنزال القرآن يوافق يوم الجمعة معارض لما ثبت في صحيح مسلم عن يوم الاثنين وقوله ﷺ حين سئل عنه: " ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت - أو أنزل علي فيه " (٤).
كما حدد الشيخ محمد محمد أبو شهبة مدة نزول القرآن الكريم بأنها اثنتان وعشرون سنة وخمسة أشهر، ونصف الشهر. راعى في هذا التحديد ما ذهب إليه الجمهور من أنه ﷺ ولد في الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، وتوفي في الثاني عشر أيضا من ربيع الأول عام إحدى عشرة من الهجرة.
وبين ذلك بأن النبي ﷺ نبئ على رأس الأربعين من ميلاده الشريف وذلك من الثاني عشر من ربيع الأول وقد بدئ الوحي إليه بالرؤيا الصادقة ومكث على ذلك إلى السابع عشر من رمضان وجملة ذلك ستة أشهر وخمسة أيام حين نزل عليه صدر سورة اقرأ. وآخر آية نزلت عليه من القرآن هي قوله تعالى: ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله﴾ الآية [البقرة: ٢٨١]، وقد روي أن ذلك قبل وفاة النبي ﷺ بتسعة أيام، وقيل بأحد عشر يوما، وقيل بواحد وعشرين يوما فلو أخذنا بالمتوسط تكون جملة المدة التي لم ينزل فيها القرآن ستة أشهر وستة عشر يوما. وجملة عمر ﷺ ثلاث وستون عاما، ومدة نبوته ثلاث وعشرون سنة فإذا أنقصنا منها ستة أشهر وستة عشر يوما يكون الباقي اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما.
ثم قال أبو شهبة بعد هذا معبرا عن فرحه به: "والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ثم انتقد حساب الخضري السابق بأنه بني على أن آخر آية نزلت هي قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ الآية [المائدة: ٣ [" (٥).
وما ذكره أبو شهبة - رحمه الله - من تحديد فيه نظر كذلك. إذ جعل يوم السابع عشر من رمضان بداية إنزال القرآن على الرسول ﷺ وقد تقدم أنه يوافق يوم الجمعة - على قول الخضري - وأنه بهذا يعارض ما ثبت في الصحيح؟

(١) الصواب في آخر ما نزل، قوله تعالى: ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون﴾ [البقرة / ٢٨١]
(٢) مناهل العرفان: ١/ ٤٥.
(٣) تاريخ التشريع ص: ٦، ٧
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث طويل (٢/ ٨١٩) رقم (١١٦٢). وراجع ص (٤٩).
(٥)؟ المدخل لدراسة القرآن الكريم: ٥٥، ٥٦.


الصفحة التالية
Icon