٦ - تذوق أساليب القرآن المتنوعة في خطابه لخصومه والاستفادة منها في الدعوة إلى الله، فمخاطبة الكفار يحتاج إلى الأسلوب الخطابي في العهد المكي عن طريق التركيز على إثبات وجود الله والبعث والعقيدة، ومخاطبة أهل الكتاب والمنافقين يحتاج إلى أسلوب الخطابة في العهد المدني عن طرق مناقشتهم في عقيدتهم المنحرفة وبيان التحريف في كتبهم.
خامسا: - أسباب النزول
إن سبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه، أو مبينة لحكمةٍ أيام وقوعه (١)، والمعنى أنه حادثة وقعت في زمن النبي؟ أو سؤال وجه إليه فنزلت الآية أو الآيات من الله - تعالى - ببيان ما يتصل بتلك الحادثة أو بجواب هذا السؤال.
وذلك مثل حادثة خولة بنت ثعلبة، التي ظاهر منها زوجها "أوس بن الصامت" فنزلت آيات الظهار: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ*الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجادلة: ١ - ٤].
ومثل ما حدث بين الأوس والخزرج من خصومة، بسبب تأليب أحد اليهود العداوة بينهما، فقد نزل بحقها قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)﴾ [آل عمران: ١٠٠ - ١٠٣].
ومثل ما نزل إجابة لسؤال وجه إلى النبي؟ قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٨٥]، وقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً﴾ [الكهف: ٨٣]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ [البقرة: ١٨٥].
ومثل ما نزل إرشاداً وهداية وتعليماً للرسول؟ كما في قوله تعالى ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤]، والأمثلة كثيرة على ذلك.
وعندما نقول بأن سبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثةً عنه أو مبينةً لحكمه أيام وقوعه، فذا يعني أن هناك ارتباطا بين وقوع الحدث والآية التي نزلت مبينة لحكم هذا أو هذه الحال، هذا احترز به عمَّا شاع وذاع عند بعض المفسرين حينما يذكرون مثلاً سورة الفيل نزلت قصة الفيل هل هناك ارتباط بين الحادثة والآيات؟ الجواب: لا، نقول: سبب النزول أن تكون الآية نزلت مبينةً لحكم الحادثة، وهذه الحادثة سبقت بزمنٍ يسير نزول الآيات حينئذٍ لا بد من ارتباطٍ بين الآيات وبين الواقع، فإذا كانت الواقعة قد خلا عليها الدهر كقصة أصحاب الفيل