الثالث: الاختلاف من حيث الإمالة، أو عدمها فى الحروف، كالوقوف بالإمالة فى التاء المربوطة، أو عدم الإمالة فيها.
الرابع: الاختلاف من حيث النقط ومن حيث شكل البنية فى مثل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (الحجرات: ٦) حيث قرئ متواتراً كذلك (فتثبتوا) ومع ذلك فالقراءتان متلاقتيان فى المعنى، فالأولى طالبت بالتبين المطلق، والأخرى بينت طريق التبين، وهو التثبت بتحرى الإثبات.
الخامس: زيادة بعض الحروف فى قراءة، ونقصها فى أخرى، مثل قراءة ابن عامر - وهو أحد القراء السبعة- (قالوا اتخذ الله ولدا) [البقرة: ١١٦] بدون (واو) قبل (قالوا) بينما قرأ غيره بالواو هكذا (وقالوا اتخذ الله ولدا) (البقرة: ١١٦)، ومثل ذلك قراءة ابن كثير - وهو أحد القراء السبعة كذلك - (تجرى من تحتها الأنهار) بزيادة (من) بينما قرأ غيره (تجرى تحتها الأنهار) [التوبة: ١٠٠].
وتجدر الإشارة بأن المصاحف العثمانية - وعددها ستة أو سبعة - أثبت فيها كل ما يحتمله الرسم بطريقة واحدة (١)، وأما ما لا يحتمله الرسم كالزيادة والنقصان فى حالتنا هذه، فإنه كان يثبت فى بعض المصاحف بقراءة، وفى بعضها بقراءة أخرى.
وقد قال القرطبى فى ذلك: "وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف فى حروف يزيدها بعضهم، وينقصها بعضهم، فذلك لأن كلاً منهم اعتمد على ما بلغه فى مصحفه ورواه، إذ كان عثمان كتب تلك المواضع فى بعض النسخ، ولم يكتبها فى بعض، إشعاراً بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة" (٢).
فوائد اختلاف القراءات
مسألة اختلاف القراءات وتعددها، كانت ولا زالت محل اهتمام العلماء، ومن اهتمامهم بها بحثهم عن الحكم والفوائد المترتبة عليها، وهى عديدة نذكر الآن بعضاً منها، فأقول - وبالله التوفيق-: إن من الحكم المترتبة على اختلاف القراءات ما يلى: -
١ - التيسير على الأمة الإسلامية، ونخص منها الأمة العربية التى شوفهت بالقرآن، فقد نزل القرآن الكريم باللسان العربى، والعرب يومئذٍ قبائل كثيرة، مختلفة اللهجات، فراعى القرآن الكريم ذلك، فيما تختلف فيه لهجات هذه القبائل، فأنزل فيه - أى بين قراءاته - ما يواكب هذه القبائل -على تعددها - دفعاً للمشقة عنهم، وبذلاً لليسر والتهوين عليهم.
٢ - الجمع بين حكمين مختلفين مثل قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (البقرة: ٢٢٢)، حيث قرئ (يطهرن) بتخفيف الطاء وتشديدها، ومجوع القراءتين يفيد أن الحائض، لا يجوز أن يقربها زوجها إلا إذا طهرت بأمرين: أ- انقطاع الدم، ب- الاغتسال.
٣ - الدلالة على حكمين شرعيين فى حالين مختلفين، ومثال ذلك قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) [المائدة: ٦] إذ قرئ (وأرجلكم)
(٢) انظر: القرطبى ١/ ٤٧، كتاب المعجزة الكبرى ص ٤٨ - ٥٠ بتصرف ٠