غَمَامَتَان (١) أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ (٢) تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ " (٣).
٥ - المواظبة علي قراءة أية الكرسي بعد الصلوات سبباً لدخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" (٤).
وتجدر اللإشارة بأن هناك عدة أحاديث منتشرة علي ألسنة العامة وهي ضعيفة لا تصح.
وأذكر منها هنا علي سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
- حديث "آيتان هما قرآن، وهما يشفعان، وهما مما يحبهما الله، الآيتان في آخر سورة البقرة" (٥).
- وحديث "من قرأ سورة البقرة، توج بتاج في الجنة (٦).
- وحديث "إن لكل شيء سناما، وإن سنام القرآن، سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال، ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام" (٧).
أسباب النزول:
إن سورة البقرة قد استمر نزولها في العهد المدني، لذا لا يتصور إمكانية حصر أسباب نزولها في سبب واحد لتعدد الأسباب في نزول الآيات، وسوف نذكر أسباب النزول إن وجدت في سياق تفسير الآيات ومرجعيتنا في ذلك، والله المستعان.
ووجه مناسبة سورة (البقرة) لسورة (الفاتحة) قبلها، أن الفاتحة مشتملة على بيان وصوف الربوبية أولا، وأحكام العبودية ثانيا، وطلب الهداية في الدنيا والآخرة لسبيل الفالحين وصراط المهتدين ثالثا. وكذلك سورة البقرة مشتملة على بيان معرفة الرب؛ وأدب المعاملة معه سبحانه؛ والأمر بتوحيده والتحذير من الكفر به، وتشتمل على العبادات وتفصيلها وما يتعلق بها، وعلى بيان ما يحتاج العبد إليه في الدنيا والآخرة لهدايته الصراط المستقيم الذي يطلبه المؤمنون في آخر سورة الفاتحة، وفي أول البقرة يومئ السياق القرآني الحكيم إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢].
ولما افتتح سبحانه الفاتحة بالأمر الظاهر المحكم الذي يلتبس " الحمد لله رب العالمين "؛ وكان وراء كل ظاهرٍ في عالم الشهادة غيب وباطنٌ يجب على المتقين الإيمان به. افتتح الله تعالى هذه السورة بما بطن سره وخفي أمره إلا على من شاء الله تعالى فقال سبحانه: " الم " وهى الحروف المقطعة التي يجب الايمان بحكمتها وتفويض معانيها للرب العلى إيمانا بالغيب الذي امتحن الله تعالى المتقين به ومدحهم على الإيمان به وبأمثاله من الغيب.. ولهذا قال الشعبي: " لكل كتاب سر، وسر القرآن: حروف التهجي في فواتح السور " (٨)، وقال أيضا: "سر الله تعالى فلا تطلبوه" (٩).
(٢) قال النووي في شرح مسلم " ومعناهما واحد، وهما قطيعان وجماعتان، يقال في الواحد: فرق وحزق وحزيقة أي جماعة ".
(٣) أخرجه مسلم برقم/ ١٣٣٧ - بَاب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ.
(٤) انظر حديث رقم: ٦٤٦٤ في صحيح الجامع للألباني- رحمه الله.
(٥) (ضعيف جدا) انظر حديث رقم: ١٨ في ضعيف الجامع للألباني- رحمه الله.
(٦) انظر حديث رقم: ١٠٦٩ في ضعيف الجامع للألباني- رحمه الله.
(٧) أنظر: السلسلة الضعيفة والموضوعة " (٣/ ٥٢٤)، أخرجه ابن حبان في صحيحه (٧٨٠) (ج ٣ / ص ٥٩)، والطبراني في الكبير (٥٨٦٤) (ج ٦ / ص ١٦٣) وأبو يعلى في مسنده (٧٥٥٤) (ج ١٣ / ص ٤٦٥)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج ٢ / ص ٨٧): حسن لغيره.
وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف في الإسناد، ولكن الجملة الأولى: ((إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن البقرة)) ورد فيه أيضاً روايات أخرى ضعيفة عن ابن مسعود وعن ثلاثة من الصحابة أو أربعة، وكلها لا يخلو من ضعف، ولكن بعض أهل العلم يري أن هذه الجملة تتقوى بغيرها من الروايات، وهذه الروايات الضعيفة يقوي بعضها بعضاً، فيرون أن هذه الجملة: ((إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن البقرة)) ترتقي إلى مرتبة الحسن.
(٨) ذكره السمعاني في تفسيره: ٢/ ١٦٣، ونسبه إلى الشعبي، ونسبه البقاعي إلى أبي بكر الصديق، ولفظه: " لكل كتاب سر وسر القرآن هذه الحروف، ولا يعلم ما هي إلا واضعها سبحانه"، انظر: نظم الدرر: ٢٠/ ٢٧٤، وكذا الآلوسي نسبه إلى الصديق، انظر: روح المعاني: ١/ ١٠٣. وانظر: تفسير الطبري: ١/ ٢٠٩، ولم ينسبه. وذكره القرطبي: ١٥٤/ ١، في تفسير سورة البقرة، عن أبي بكر وعلي-رضي الله عنها-، وفي هذا النسب ضعف، وذكره من أقوال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين فهو قول موقوف على هؤلاء العلماء إن صح عنهم.
(٩) انظر: تفسير الألوسي ١/ ١٠٣.