وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [البقرة: ١٠٨]، وعلى القاف آية واحدة ﴿وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاقٍ﴾ آخر الآية المائتين.
واتفقوا على أنها مدنية (١)، وأنها أول سورة أنزلت بها (٢)، قالت عائشة (٣) -رضي الله تعالى عنها-: "ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم" (٤)، ولم يدخل عليها إلا بالمدينة (٥).
أسماءها التوقيفية:
١ - البقرة:
وقد سميت سورة البقرة بهذا الاسم بسبب ما ورد فيها من قصة موسى عليه السلام مع قومه، بشأن القتيل الذي لم يعرف قاتله، فأمر الله موسى أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة أياً كانت، ويبين ذلك القرآن الكريم في قوله تعالي: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (البقرة: ٦٧) ولكنهم كعادتهم في صد الحق شدّدوا في طلب أوصافها فشدّد الله عليهم وهذه القصة مما انفردت بها هذه السورة.
ومن السنة جاءت التسمية في أحاديث منها:
- حديث أبي مسعود البدر (٦) رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه" (٧).
- وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ" (٨).
- وعن أبي أمامة (٩) تعالى قال: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا

(١) ذكر الاتفاق على مدنيتها: الماوردي في النكت والعيون: ١/ ٦٣، والعز بن عبد السلام في تفسير القرآن: ١/ ٩٣، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم: ١/ ٤٩ و ٥٠، وحكاه السيوطي في الإتقان: ١/ ١٤ - ١٥ عن أبي الحسن بن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ، كما ذكر الاتفاق على مدنيتها القاسمي في محاسن التأويل: ٢/ ٣١، وابن عاشور في التحرير والتنوير: ١/ ٢٠١. والقول بمدنيتها قول ابن عباس وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير والحسن ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة ومقاتل. انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ١/ ٥٠، زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ١٩ - ٢٠، الدر المنثور للسيوطي: ١/ ٤٦ والإتقان له: ١/ ١٢ - ١٥. وقد قال بذلك أيضاً: ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٩٣، والزركشي في البرهان في علوم القرآن: ١/ ١٩٤، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ١/ ١٥٢، والألوسي في روح المعاني: ١/ ٩٨. واستثنى الماوردي في النكت والعيون: ١/ ٦٣، والعز في تفسير القرآن: ١/ ٩٣ وقوم كما ذكر ذلك ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٢٠ قولَه-عز وجل-: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١]، قالوا: فإنها أنزلت يوم النحر بمنى في حجة الوداع. وليست بمستثناة على التعريف المختار، وهو: أن المكي ما نزل قبل الهجرة وإن كان بالمدينة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة، نبه على ذلك الزركشي في البرهان في علوم القرآن: ١/ ١٨٧، وانظر: الإتقان للسيوطي: ١/ ١١ - ١٢. وإنما يدل ذلك على أن سورة البقرة لم تنزل جملة واحدة بل في مدد شتى كما ذكر ذلك ابن عطية في المحرر الوجيز: ١/ ٩٣ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ١/ ١٥٢. كما ذكر السيوطي في الإتقان: ١/ ١٩ أنه اُستثني منها آيتان: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ [البقرة: ١٠٩]، ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُم﴾ [البقرة: ٢٧٢] وهذا خلاف ما ذكره ابن كثير في تفسيره: ١/ ٤٩ من أن سورة البقرة جميعها مدنية بلا خلاف. وعلى القول بعدم مدنية هاتين الآيتين فإن ذلك لا يخرج السورة عن كونها مدنية، انظر: روح المعاني للألوسي: ١/ ٩٨. وقد ذكر الصابوني في تعليقه على معاني القرآن للنحاس: ١/ ٧٣ أن القول بمدنيتها قول الجمهور، ولم يأت على ذكر مخالف.
(٢) حكى الاتفاق على ذلك ابن عاشور في التحرير والتنوير: ١/ ٢٠١ وهو قول ابن عباس وعكرمة. انظر: زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ١٩، والدر المنثور للسيوطي: ١/ ٤٦، وقال به ابن كثير في تفسيره: ١/ ٤٩، والزركشي في البرهان: ١/ ١٩٤.
(٣) هي: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية، أم عبد الله، تزوجها رسول الله ﷺ بمكة وبنى بها في المدينة، وكانت أحب أزواجه إليه، ولم يتزوج بكراً غيرها، أعلم نساء الأمة وأفقههن على الإطلاق، توفيت عام: ٥٧ أو ٥٨ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: ٢/ ١٣٥، البداية والنهاية لابن كثير: ٨/ ٩١، الإصابة لابن حجر: ٤/ ٣٤٨.
(٤) البخاري-فتح-: ٨/ ٦٥٥ رقم: ٤٩٩٣.
(٥) ذكر ابن حجر في الفتح: ٨/ ٦٥٧ والسيوطي في الإتقان: ١/ ١٦ الاتفاق على ذلك، وكان بناء النبي ﷺ بعائشة بعد بدر في شوال من السنة الثانية من الهجرة، وقيل: في السنة الأولى. انظر: المصادر المذكورة في الهامش رقم: (١).
(٦) قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء" ولم يشهد بدرا على الصحيح، وإنما نزل ماء ببدر، فشهر بذلك. وكان ممن شهد بيعة العقبة، وكان شابا من أقران جابر في السن. روى أحاديث كثيرة. وهو معدود في علماء الصحابة. نزل الكوفة. واسمه: عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة الأنصاري. وقيل: يسيرة بن عسيرة - بضمهما - بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج
(٧) البخاري رقم/٣٧٠٧ - باب شهود الملائكة بدر، ومسلم رقم/ ١٣٤٠ - بَاب فَضْلِ الْفَاتِحَةِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
(٨) مسلم رقم (١٣٠٠): بَاب اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ.
(٩) أبو أمامة الباهلي صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ونزيل حمص. روى: علما كثيرا. وحدث عن: عمر، ومعاذ، وأبي عبيدة. روى عنه: خالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، وشرحبيل بن مسلم، وسليمان بن حبيب المحاربي، ومحمد بن زياد الألهاني، وسليم بن عامر، وأبو غالب حزور، ورجاء بن حيوة، وآخرون. وروي: أنه بايع تحت الشجرة.-سير أعلام النبلاء للذهبي مختصرا (٣/ ٣٥٩)..


الصفحة التالية
Icon