٣ - فسطاط القرآن:
الفسطاس- بالضم والكسر- المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة فسطاس (١)، وسميت هذه السورة بفسطاس القرآن، وذلك لعظمها وبهائها، ولإحاطتها بأحكام ومواعظ كثيرة لم تذكر في غيرها (٢)، ولهذا قيل بأن " ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين" (٣).
وقد ذكر هذا الاسم جماعة من المفسرين مثل: ابن عطية (٤) والقرطبي (٥)، والثعالبي (٦)، والألوسي (٧)، كما ذكره الكرماني (٨) في العجائب، والسيوطي في الإتقان. واستدلوا في قولهم على:
- ما رواه الديلمي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: " السورة التي تذ كر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها؛ فإن تعلمها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة" (٩).
- وما روى الدارمي عَنْ خالدِ بنِ معدانَ قالَ: "سورةُ البقرةِ تعليمُهَا بركَةٌ وتركُهَا حسرةٌ، وَلا يستطيعُهَا البَطَلَةُ وهِيَ فُسطاطُ القرآنِ" (١٠).
و(الفُسْطاط) بالضم والكسر: "المدينة التي فيها مُجْتَمَع الناس. وكل مدينة فُسْطاط، وقال الزمخشري: هو ضَرْب من الابنْيِةَ في السَّفر دون السُّرادِق وبه سُمِّيت المدينه. ويقال لمِصْروالبَصْرة: الفُسْطاط " (١١).
٤ - سيدة سور القرآن:
روي عن علي مرفوعا: " سيدُ البشر آدمُ وسيد العربِ محمدٌ ولا فخرٌ وسيدُ الفُرس سلمانُ وسيدُ الرومِ صُهيبٌ وسيدُ الحبشةِ بلالٌ وسيد الجبال الطورُ وسيدُ الأيام يومُ الجمعة وسيدُ القرآنِ سورةُ البقرة وسيدُ البقرةِ آيةُ الكرسي " (١٢).

(١) انظر: النهاية: ٣/ ٤٤٥. وفي الفائق: "الفسطاس ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق". (٣/ ١١٦).
(٢) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ٨١، تفسير القرطبي: ١/ ١٥٢، الإتقان: ١/ ١٧١.
(٣) قاله ابن سعد في الطبقات، طبعة دار صادر: ٤/ ١٦٤. وهنا تجب الاشارة إلى أمرين:
١ - أن الخبر المشهور أن عمر تعلم البقرة في اثنتي عشرة سنة: وهذا الخبر مشهور جداً وتتداوله الألسنة والأقلام والصحيح أنه لا يثبت؛ فقد روى البيهقي في الشعب (٤/ ١٣١ ط. وزاة الأوقاف القطرية ٨٠٥): )، وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبو بلال الأشعري، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر قال: (تعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً). أقول: إسناده ضعيف بسبب أبي بلال الأشعري فقد نص على ضعفه الدارقطني في سننه (حديث رقم ٨٤٦ ط. دار الفكر)، وقد سقطت في نسخة المكتبة الشاملة الموافقة للمطبوع كلمة حدثنا بين بشر بن موسى الأسدي وأبي بلال الأشعري- والتصحيح من المطبوع- فلينتبه لهذا. فعليه الأثر لا يثبت.
٢ - أثر تعلم عبد الله بن عمر البقرة في ثماني سنين قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة التفسير (ص ٣١ تحقيق عدنان زرزور): "وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين قيل ثمان سنين ذكره مالك". أقول: الخبر الذي فيه أن ابن عمر رضي الله عنه حفظها في ثمان سنين جاء بلاغاً في موطأ مالك؛ فعن مالك (٤٨٨ تحقيق خليل مأمون) أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها
وهذا لا يثبت من وجه مسند-بحسب بحثي وتصدير ابن تيمية له بقيل يُشعر أنه لا يثبت عنده-وقد أشار السيوطي في تنوير الحوالك (١/ ١٦٢) إلى خبر موصول عند ابن سعد في الطبقات حيث قال ابن سعد في الطبقات (٤/ ١٦٤ ط دار صادر): أخبرنا أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا أبو المليح، عن ميمون أن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين. أقول: وهذا إسناد صحيح ولا يضر الكلام عن اختلاط عبد الله بن جعفر الرقي فقد نص ابن حبان أنه كان يسيراً. والله أعلم.
والعلة في أنه حفظها في أربع سنين ليس لبطء حفظ فهو أحد الحفاظ المكثرين من حديث المطصفى ﷺ لكن كما قال الباجي فيما نقل عنه السيوطي في التنوير: " ليس ذلك لبطء حفظه معاذ الله بل لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها" ولهذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في المقدمة فبعدما قال ما نقلته عنه أولاً قال (ص ٣١ - ٣٢): " وذلك أن الله تعالى قال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) وقال: (أفلا يتدبرون القرآن) وقال: (أفلم يدبروا القول) وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن"اهـ كلامه رحمه الله، فهو يشير رحمه الله أن هذه المدة التي قضاها ابن عمر في حفظ القرآن كان يحفظ ألفاظها ويتعلم أحكامها ويعمل بما فيها لا كما يفعل كثير من الجهلة اليوم الذين يتعاملون مع مسألة حفظ القرأن وكأنه لعبة من الألعاب من ينتهي قبل الثاني في أسرع وقت ممكن! ! ! فيخرج هذا الجاهل حافظاً للألفاظ فقط فلا علم ولا عمل فلم يزد إلا أن أقام حججاً عليه بعدد الآيات التي حفظها والله المستعان.
(٤) انظر: تفسيره: ١/ ٨١.
(٥) انظر: تفسيره: ١/ ١٥٢.
(٦) انظر: تفسيره الجواهر الحسان: ١/ ٢٨.
(٧) انظر تفسيره: ١/ ٩٨.
(٨) انظر غرائب التفسير وعجائب التأويل: ١/ ١٠٧.:
(٩) في مسند الفردوس ص: ٥٥.
(١٠) سنن الدارمي رقم الحديث (٣٣٧١).
(١١) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (٣/ ٤٤٥) لسان العرب (٧/ ٣٧٢).
(١٢) مفاتيح الغيب للرازي (٢/ ٥٦).


الصفحة التالية
Icon