قال البيضاوي: أي: " ابتدعه على الله بزعمه أنه حرم ذلك قبل نزول التوراة على بني إسرائيل ومن قبلهم" (١).
قال الزمخشري: أي: " من بعد ما لزمهم من الحجة القاطعة" (٢).
قال الصابوني: أي: " من بعد قيام الحجة ظهور البينة" (٣).
وتحتمل الإشارة بـ ﴿ذلك﴾ في الآية الكريمة أن تكون إلى ثلاثة أشياء (٤):
أحدها: أن تكون إلى التلاوة إذ مضمنها بيان المذهب وقيام الحجة، أي فمن كذب منا على الله تعالى أو نسب إلى كتب الله ما ليس فيها فهو ظالم واضع الشيء غير موضعه.
والثاني: أن تكون الإشارة إلى استقرار التحريم في التوراة، لأن معنى الآية: ﴿كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣]، ثم حرمته التوراة عليهم عقوبة لهم، ﴿فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾، وزاد في المحرمات فهو الظالم.
والثالث: أن تكون الإشارة إلى الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه، وقبل نزول التوراة، أي من تسنن بيعقوب وشرع ذلك دون إذن من الله، ومن حرم شيئا ونسبه إلى ملة إبراهيم فهو الظالم، ويؤيد هذا الاحتمال الأخير، قوله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠] فنص على أنه كان لهم ظلم في معنى التحليل والتحريم، وكانوا يشددون فشدد الله عليهم، كما فعلوا في أمر البقرة.
قوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [آل عمران: ٩٤]، أي: فأولئك هم" المعتدون المكابرون بالباطل" (٥).
قال الطبري: " يعني: فهم الكافرون، القائلون على الله الباطل" (٦).
قال الزمخشري: أي: "المكابرون الذين لا ينصفون من أنفسهم ولا يلتفتون إلى البينات" (٧).
قال السعدي: " وأي ظلم أعظم من ظلم من يدعى إلى تحكيم كتابه فيمتنع من ذلك عنادا وتكبرا وتجبرا، وهذا من أعظم الأدلة على صحة نبوة نبينا محمد ﷺ وقيام الآيات البينات المتنوعات على صدقه وصدق من نبأه وأخبره بما أخبره به من الأمور التي لا يعلمها إلا بإخبار ربه له بها" (٨).
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك انه قال في تفسير هذه الآية: "وكذبوا وافتروا ولم ينزل التوراة بذلك" (٩). قال ابن بأبي حاتم: "يعني بتحريم العروق" (١٠).
الفوائد:
١ - أنه متى ظهر الحق فحاد الانسان عنه، صار أشد ظلما.
٢ - أنه لا إثم مع الجهل، لقوله: ﴿من بعد ذلك﴾.
القرآن
﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)﴾ [آل عمران: ٩٥]
التفسير:
قل لهم -أيها الرسول- صَدَق الله فيما أخبر به وفيما شرعه. فإن كنتم صادقين في محبتكم وانتسابكم لخليل الله إبراهيم عليه السلام فاتبعوا ملَّته التي شرعها الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها الحق الذي لا شك فيه. وما كان إبراهيم عليه السلام من المشركين بالله في توحيده وعبادته أحدًا.

(١) تفسير البيضاوي: ٢/ ٢٨.
(٢) الكشاف: ١/ ٣٨٦.
(٣) صفوة التفاسير: ١٩٩.
(٤) المحرر الوجيز: ١/ ٤٧٣ - ٤٧٤.
(٥) صفوة التفاسير: ١٩٩.
(٦) تفسير الطبري: ٧/ ١٧.
(٧) الكشاف: ١/ ٣٨٦.
(٨) تفسير السعدي: ١٣٨.
(٩) تفسير ابن أبي حاتم (٣٨٢٥): ص ٣/ ٧٠٦ - ٧٠٧.
(١٠) تفسير ابن أبي حاتم: ٣/ ٧٠٧.


الصفحة التالية
Icon