التفسير:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشرعه، خافوا الله حق خوفه: وذلك بأن يطاع فلا يُعصى، ويُشكَر فلا يكفر، ويُذكَر فلا ينسى، وداوموا على تمسككم بإسلامكم إلى آخر حياتكم; لتلقوا الله وأنتم عليه.
في سبب نزول الآية قولان:
أحدها: قال عكرمة: " إن هذه الآية نزلت في الأوس والخزرج وكان بينهم قتال يوم بعاث قبيل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته﴾ " (١).
والثاني: نقل الثعلبي عن عطاء: " إن رسول الله ﷺ صعد المنبر وقال: «يا معشر المسلمين ما لي أوذى في أهلي». يعني الطعن في قصة الإفك، وقال: «ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي».
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله وأكفيك أمره وأنصرك عليه، إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكنه احتملته الحمية فقال لسعد ابن معاذ: كذبت لعمر الله. فقال سعد: والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ودعوا بالسلاح، فلم يزل رسول الله ﷺ يخفضهم حتى سكنوا، فأنزل الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته﴾ " (٢).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٠٢]، أي: " يا معشر من صدّق الله ورسوله" (٣).
قال مقاتل بن سليمان: "يعني الأنصار" (٤).
قوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢] أي: اتقوا الله تقوى حقة" (٥).
قال الطبري: أي: "خافوا الله ورَاقبوه بطاعته واجتناب معاصيه، حقّ خوفه، وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُشكر فلا يكفر، ويُذكر فلا يُنسى" (٦).
قال الزجاج: " أي اتقوه فيما يحق عليكم أن تتقوه فيه" (٧).
وفي قوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢] وجوه:
أحدها: معناه: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر. قاله عبدالله ابن مسعود (٨)، وروي عن "مرة الهمداني والربيع بن خثيم، وعمرو بن ميمون، والحسن، وطاوس، وقتادة، وإبراهيم النخعي وأبي سنان، والسدي" (٩)، ومقاتل بن سليمان (١٠) نحو ذلك.
والثاني: المعنى: أن يجاهد في سبيل الله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وهذا قول ابن عباس (١١)، ومجاهد (١٢).
والثالث: هو أن يعترفوا بالحق في الأمن والخوف (١٣).
والرابع: هو أن يُطَاع، ولا يُتَّقى في ترك طاعته أحدٌ سواه (١٤).
(٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٦٠ - ١٦١.
(٣) تفسير الطبري: ٧/ ٦٤.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٢.
(٥) صفوة التفاسير: ٢٠٠.
(٦) تفسير الطبري: ٧/ ٦٤.
(٧) معاني القرآن: ١/ ٤٤٨.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٠٨): ص ٢/ ٧٢٢.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩٠٨): ص ٢/ ٧٢٢، وتفسير الثعلبي: ٣/ ١٦١.
(١٠) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٢.
(١١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٩١٠): ص ٢/ ٧٢٢.
(١٢) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٦١.
(١٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤١٣.
(١٤) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤١٣.