قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٠٩]، أي: ولله تعالى وحده "ملك السموات والأرض خلقاً وتصرفاً وتدبيراً" (١).
قال أبو السعود: " أي: له تعالى وحده من غير شركة أصلا ما فيهما من المخلوقات الفائنة للحصر ملكا وخلقا إحياء وإماتة وإثابة وتعذيبا وإيراد كلمة ما إما لتغليب غير العقلاء على العقلاء وإما لتنزيلهم منزلة غيرهم إظهارا لحقارتهم في مقام بيان عظمته تعالى" (٢).
قال القاسمي: " أي له تعالى وحده، من غير شركة، ما فيهما من المخلوقات ملكا وخلقا إحياء وإماتة وإثابة وتعذيبا" (٣).
قال ابن عباس: " ثم قال يا محمد لله الخلق كله السموات كلهن ومن فيهن، والأرضون كلهن، ومن فيهن وما بينهن مما يعلم ومما لا يعلم" (٤).
قوله تعالى: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [آل عمران: ١٠٩]، أي: "إلى الله مصير أمر جميع خلقه فيجازي كلا على قدر استحقاقهم منه" (٥).
قال السمرقندي: " يقول: تصير أمور العباد إلى الله في الآخرة" (٦).
قال أبو السعود: " أي إلى حكمه وقضائه لا إلى غيره شركة أو استقلالا ترجع أمور الخلق، فيجازي كلا منهم بما وعد له وأوعده من غير دخل في ذلك لأحد قط فالجملة مقررة لمضمون ما ورد في جزاء الفريقين وقيل هي معطوفة على ما قبلها مقررة لمضمونه فإن كون العالمين عبيده تعالى ومخلوقه ومرزوقه يستدعي إرادة الخير بهم" (٧).
الفوائد:
١ - عموم ملك الله تعالى، لقوله: ﴿ولله ملك السماوات والأرض﴾، و ﴿ما﴾، موصولة تفيد العموم.
٢ - انفراد ملك الله تعالى بلك، أي أن الله وحده هو المالك لها، وهذا يؤخذ من تقديم الخبر الذي أفاد الحصر.
٣ - إثبات السماوات والأرض، وبيان عظمة الله تعالى بخلق هذه المخلوقات العزيمة.
٤ - أن مرجع الأمور إلى الله وحده.
٥ - بيان سعة الله تعالى إذ كانت جميع الامور ترجع إليه الدقيقة والجليلة.
القرآن
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (١١٠)﴾ [آل عمران: ١١٠]
التفسير:
أنتم - يا أمة محمد - خير الأمم وأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد ﷺ وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم، لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة، منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد ﷺ العاملون بها، وهم قليل، وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته.
في سبب نزول الآية:

(١) أيسر التفاسير: ١/ ١٩١.
(٢) تفسير أبي السعود: ٢/ ٧٠.
(٣) محاسن التأويل: ٢/ ٣٨٤.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٩٦٦): ص ٣/ ٧٣١.
(٥) تفسير الطبري: ٧/ ١٠٠.
(٦) تفسير السمرقندي: ١/ ١٣٨.
(٧) تفسير أبي السعود: ٢/ ٧٠.


الصفحة التالية
Icon