إلى غيره، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: ﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله﴾ إلى قوله: ﴿وأولئك من الصالحين﴾ " (١).
والثاني: وقال مقاتل بن سليمان: " وذلك أن اليهود قالوا لابن سلام وأصحابه: لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره وقد عاهدتم الله بعهد ألا تدينوا إلا بدينكم، فقال الله- عز وجل-: ﴿ليسوا سواء﴾ " (٢).
والثالث: أخرج الطبري عن عبد الله بن مسعود قال: احتبس علينا رسول الله ﷺ ذات ليلة، كان عند بعض أهله ونسائه: فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ليلٌ، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فبشَّرنا وقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحدٌ من أهل الكتاب! فأنزل الله: ﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون﴾ " (٣).
والرابع: وأخرج الطبري عن منصور، قال: "، بلغني أنها نزلت: ﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون﴾، فيما بين المغرب والعشاء" (٤).
والخامس: نقل الثعلبي: " عن عطاء في قوله: ﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة﴾. الآية. تزيد أربعين رجلا من أهل نجران من العرب، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى -عليه السلام- وصدقوا بمحمد ﷺ وكان من الأنصار منهم عدة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أسعد ابن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة وأبو قيس هرمة بن أنس، وكانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ويقرون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم الله عز وجل بالنبي ﷺ فصدقوه ونصروه" (٥).
قوله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾ [آل عمران: ١١٣]، " أي: ليس أهل الكتاب مستوين في المساوئ" (٦).
قال مقاتل: " يقول ليس كفار اليهود، والذين في الضلالة بمنزلة ابن سلام وأصحابه الذين هم على دين الله" (٧).
قال ابن كثير: " أي: لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين أسلموا" (٨).
قال الماتريدي: " أي: لا سواء بين من آمن منهم -يعني: من أهل الكتاب- ومن لم يؤمن منهم؛ لأن منهم من قد آمن" (٩).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾ [آل عمران: ١١٣]، وجهان:
أحدهما: أن المعنى: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم". قاله ابن مسعود (١٠)، السدي (١١).
والثاني: أن المعنى: أن أهل الكتاب ليسوا متساوين في الصلاح والفاسد والخير والشر، وهذا معنى قول ابن عباس (١٢)، وقتادة (١٣)، وابن جريج (١٤).
قوله تعالى: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ [آل عمران: ١١٣]، " أي: منهم طائفة مستقيمة على دين الله" (١٥).

(١) تفسير الطبري (٧٦٤٤): ص ٧/ ١٢٠ - ١٢١.
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٦.
(٣) تفسير الطبري (٧٦٦١): ص ٧/ ١٢٧.
(٤) تفسير الطبري (٧٦٦٣): ص ٧/ ١٢٩.
(٥) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٢٣.
(٦) صفوة التفاسير: ٢٠٤.
(٧) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٦.
(٨) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٠٥.
(٩) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٥٩.
(١٠) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٤٠٠٠): ص ٣/ ٧٣٧.
(١١) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٤٠٠١): ص ٣/ ٧٣٧.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٧٦٤٥): ص ٧/ ١٢١.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٧٦٤٦): ص ٧/ ١٢١.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٧٦٤٧): ص ٧/ ١٢١.
(١٥) صفوة التفاسير: ٢٠٤.


الصفحة التالية
Icon