٤ - أن الكفار في النار مخلدون فيها، خلدوا أبديا ليس له غاية.
القرآن
﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧)﴾ [آل عمران: ١١٧]
التفسير:
مَثَلُ ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من ثواب، كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره، وبسبب ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة ثوابًا، وما ظلمهم الله بذلك، ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم.
في سبب نزولها أقوال:
أحدهما: أنها نزلت في أبي سفيان وأصحابه يوم بدر عند تظاهرهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وهذا قول يمان بن المغيرة (١).
والثاني: أن المراد نفقات الكفار وصدقاتهم. وهذا معنى قول مجاهد (٢).
والثالث: أنه نزلت في نفقة المنافقين مع المؤمنين في حرب المشركين على جهة النفاق (٣).
والرابع: وقال مقاتل: يعني نفقة "سفلة اليهود" (٤)، "على علمائهم ورؤسائهم كعب بن الأشرف وأصحابه" (٥).
والخامس: وقال الضحاك: "مثل نفقة الكفار من أموالهم في أعيادهم وعلى أضيافهم وما يعطي بعضهم بعضا على الضلالة" (٦).
قوله تعالى: ﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ﴾ [آل عمران: ١١٧]، " أي: شَبَهُ ما يتصدق به الكافر، كشبه ريح فيها برد شديد" (٧).
واختلف أهل التأويل في معنى " النفقة " التي ذكرها في هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها النفقة المعروفة في الناس. قاله مجاهد (٨)، ورجحه الطبري (٩)، وهو الظاهر.
والثاني: أن ذلك قوله الذي يقوله بلسانه، مما لا يصدِّقه بقلبه. وهذا قول السدي (١٠).
قال الماتريدي: " ضرب مثل نفقة الكفار التي أنفقوها بريح فيها صر أصابت حرث قوم، وذلك - والله أعلم - أنهم كانوا ينفقون ويعملون جميع الأعمال: من عبادة الأصنام والأوثان، ويقولون: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾، ظنوا أن تلك الأعمال والنفقات التي أنفقوها في صد الناس - تنفعهم في الآخرة، وتقربهم إلى الله، فأخبر أنها لا تنفع، فكان كالريح التي فيها صر وبرد، ظنوا أن فيها رحمة، وشيئا ينفع زروعهم، وينمو بها، فإذا فيها نار أحرقت حرثهم؛ كما طمعوا من أعمالهم ونفقاتهم التي في الدنيا - بالآخرة؛ قربة وزلفة إليه، فإذا هي مهلكة لأبدانهم؛ كالريح التي فيها صر كانت مهلكة؛ محرقة لزروعهم وحرثهم" (١١).
وفي تفسير "الصّرِّ" أقوال:
أحدها: هو البرد الشديد، وهو قول ابن عباس (١٢)، والحسن، وقتادة (١٣)، والربيع (١٤)، والسدي (١٥)، وعكرمة (١٦)،

(١) انظر: العجاب: ٢/ ٧٣٩، وذكره الماوردي دون نسبته، انظر: النكت والعيون: ١/ ٤١٨.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٧٦٦٧): ص ٧/ ١٣٥.
(٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤١٨.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٧.
(٥) هذه الزيادة من تصرف ابن حجر في العجاب: ٣/ ٧٣٨.
(٦) تفسير السمرقندي: ١/ ٢٤١.
(٧) تفسير الطبري: ٧/ ١٣٤.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٧٦٦٧): ص ٧/ ١٣٥.
(٩) انظر: تفسير الطبري: ٧/ ١٣٥ - ١٣٦.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٧٦٦٨): ص ٧/ ١٣٥ - ١٣٦.
(١١) تفسير الماتريدي: ٢/ ٤٦١ - ٤٦٢.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٧٦٧٠): ص ٧/ ١٣٦.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٧٦٧٣): ص ٧/ ١٣٦.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٧٦٧٤): ص ٧/ ١٣٦.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٧٦٧٥): ص ٧/ ١٣٦.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٧٦٦٩): ص ٧/ ١٣٦.


الصفحة التالية
Icon